إذا ما الضجيع ثنى عطفها |
|
تثنت فكانت عليه لباسا |
والضجيع : المضاجع ، وما زائدة ، وثنى عطفها : أمال شقها ، وتثنت مالت ، والشاهد في قوله : فكانت عليه لباسا وقيل : إنّ كلا منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور ، كما جاء في الخبر : «من تزوّج فقد أحرز ثلثي دينه» (١).
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي : تظلمونها بتعريضها للعقاب ، وتنقيص حظها من الثواب بالمجامعة بعد العشاء كما وقع ذلك لعمر وغيره ، وقال البراء : لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله وكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله هذه الآية.
(فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي : قبل توبتكم (وَعَفا عَنْكُمْ) أي : محا ذنوبكم ، ولم يمل أحد ألف عفا لأنه واوي (فَالْآنَ) أي : إذا نسخ عنكم التحريم (بَاشِرُوهُنَ) أي : جامعوهنّ حلالا ، وسمى المجامعة مباشرة لتلاصق بشرة كل واحد منهما بصاحبه (وَابْتَغُوا) أي : واطلبوا (ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) أي : ما قسم لكم ، وأثبت في اللوح من الولد بالمباشرة أي : لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل ، أو قصد العفة ، وقال مجاهد : ابتغوا الولد فإن لم تلد هذه فهذه ، وقال مقاتل : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم بإباحة الأكل والشرب والجماع. في اللوح المحفوظ ، وقيل : وابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم وقيل : هو نهي عن العزل لأنه في الحرائر.
فقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) أي : الصادق ، نزل في رجل من الأنصار ، قال عكرمة : اسمه أبو قيس ، وذلك أنه ظل نهاره يعمل في أرض وهو صائم فلما أمسى رجع إلى أهله بتمر ، فقال لامرأته : قدّمي الطعام وأرادت المرأة أن تطعمه شيئا ، سخنا فأخذت تعمل له في شيء وكان في ابتداء الإسلام من صلى العشاء أو نام قبلها حرم عليه الطعام والشراب ، فلما فرغت من طعامه إذ هو قد نام وكان قد أعيا وكلّ ، فأيقظته فكره أن يعصي الله ورسوله ، وأبى أن يأكل ، فأصبح صائما مجهودا فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه ، فلما أفاق أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما رآه قال : «يا أبا قيس ما لك أمسيت طليحا ، فذكر له حاله فاغتم لذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه الآية» (٢).
وقد شبّه سبحانه وتعالى أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق ، وما يمتدّ معه من غبش الليل بخيطين أبيض وأسود ، واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله : من الفجر عن بيان الخيط الأسود ؛ لدلالته عليه ويصح أن تكون من للتبعيض ، فإنما يبدو بعض الفجر ، وعلى كل منهما فهي مع مدخولها في محل الحال ، والمعنى على التبعيض حال كون الخيط الأبيض بعضا من الفجر وعلى البيان حال كونه هو الفجر.
فإن قيل : كيف التبس على عدي بن حاتم مع هذا البيان حتى قال : عمدت إلى عقالين أبيض وأسود فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أقوم من الليل فلا يتبين لي الأسود من الأبيض ، فلما أصبحت غدوت إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأخبرته فضحك وقال : «إن كان وسادك إذا لعريضا» (٣) وروي : «إنك
__________________
(١) أخرجه بنحوه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٢٨٨ ، ٣٠٠ ، بلظف : «من تزوج فقد أحرز شطر دينه».
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ٢٤٢٠.
(٣) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٥٠٩ ، وأبو داود في الصوم حديث ٤٥٠٩.