قوله أجيب أي : أسمع ويقال : ليس في الآية أكثر من إجابة الدعوة ، فأما إعطاء الأمنية فليس بمذكور فيها ، وقد يجيب السيد عبده ، أو الوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله ، فالإجابة لا محالة عند حصول الدعوة ، وقيل : معنى الآية : أنه لا يخيب دعاءه ، فإن قدر له ما سأل أعطاه ، وإن لم يقدر له ادخر الثواب له في الآخرة ، أو كف عنه به سوءا لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء بمثلها ما لم يدع بإثم أو قطبعة رحم» (١). وقيل : إنّ الله يجيب دعوة المؤمن في الوقت ويؤخر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته ، ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته. وقيل : إنّ للدعاء آدابا وشرائط ، وهي أسباب الإجابة ، فمن استكملها كان من أهل الإجابة ، ومن أخلّ بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الجواب. (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) إذا دعوتهم للإيمان والطاعة ، كما أجيبهم إذا دعوني بمهماتهم ، وقوله تعالى : (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) أمر بالثبات والمداومة على الإيمان (لَعَلَّهُمْ) أي : لكي (يَرْشُدُونَ) والرشد إصابة الحق.
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) أي : الليلة التي تصبحون منها صائمين (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) الرفث : كناية عن الجماع ؛ لأنه لا يكاد يخلو عن رفث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه ، كلفظ الوطء والجماع ، فإنه يجب أن يكنى عنه بلازم من لوازمه كالرفث وعدّي بإلى لتضمّنه معنى الإفضاء ، وكني عن الجماع هنا بلفظ الرفث الدال على معنى القبح بخلاف قوله : (وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) [النساء ، ٢١] استهجانا لما وجد منهم قبل الإباحة ، ولذلك سماه فيما يأتي خيانة قال : ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنّ الله تعالى حيّ كريم يكني كل ما ذكر في القرآن من المباشرة والملامسة والإفضاء والدخول ، فالرفث إنما عني به الجماع ، وقال الزجاج : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجال من النساء ، قال أهل التفسير : كان في ابتداء الأمر إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والنساء إلى أوان العشاء الآخرة ، أو يرقد قبلها فإذا صلى العشاء أو رقد قبلها حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى الليلة القابلة ، ثم إنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه واقع أهله بعدما صلى العشاء ، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، إني رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسوّلت لي نفسي ، فجامعت أهلي فهل تجد لي من رخصة؟ فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما كنت جديرا بذلك يا عمر» فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزل في عمر وأصحابه هذه الآية (٢) ، وفي تجويز المباشرة في جميع الليل دليل على جواز تأخير الغسل إلى الفجر وصحة صوم الصبح جنبا.
(هُنَّ لِباسٌ) أي : سكن (لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ) أي : سكن (لَهُنَ) كما قال تعالى : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) [الأعراف ، ١٨٩] وكما قيل : لا يسكن شيء إلى شيء كسكون أحد الزوجين إلى الآخر ، وقيل : سمي كل واحد من الزوجين لباسا ؛ لتجرّدهما عند النوم وتعانقهما واجتماعهما في ثوب واحد حتى يصير كل واحد من الزوجين لصاحبه كالثوب الذي يلبسه. قال الجعدي (٣) :
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٧٣.
(٢) أخرجه البغوي في شرح السنة ١ / ١٦١ ، والطبري في تفسيره ٢ / ٩٧.
(٣) البيت من المتقارب ، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٨١ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٢٣٠ ، وتهذيب اللغة ١٢ / ٤٤٤ ، ومجمل اللغة ٤ / ٢٦٢ ، وتاج العروس (لبس) ، ولسان العرب (لبس) ، والشعر والشعراء ص ٣٠٢.