عليكم ولا يعسر ولذلك أباح لكم الفطر في المرض والسفر. واختلفوا هل الفطر في السفر أفضل أو الصوم؟ والأصح أنه إن شق عليه الصوم فالفطر أفضل وإلا فالصوم. وروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا : لا يجوز الصوم في السفر ، ومن صام فعليه القضاء واحتجوا بقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ليس من البرّ الصيام في السفر» (١) وأجاب الأوّل عن الحديث بأنه محمول على من يشق عليه الصوم فقول جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال : ما هذا؟ قالوا : هذا صائم فقال صلىاللهعليهوسلم : «ليس من البرّ الصيام في السفر» والدليل على جواز الصوم في السفر قول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه : «كنا نسافر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» (٢). وقوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : الله على نعمه ، علل لفعل محذوف دلّ عليه ما سبق أي : وشرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد بصوم الشهر ، وأمر المرخص له بالقضاء ، وبمراعاة عدّة ما أفطر فيه ومن الترخيص في إباحة الفطر ، فقوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) علّة الأمر بمراعاة العدّة ، وقوله تعالى : (وَلِتُكَبِّرُوا) علّة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ، وقوله تعالى : (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) علّة الترخيص من تعظيم الله تعالى بالحمد والثناء عليه ، ولذلك عدّ نوعا من اللف والنشر لطيف المسلك. ومعنى التكبير تعظيم الله تعالى بالحمد والثناء عليه ، ولذلك عدّي بحرف الاستعلاء لكونه مضمنا معنى الحمد كأنه قيل : ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم ، وقيل : تكبير عيد الفطر وقيل : التكبير عند الإهلال ، وقرأ شعبة ولتكملوا بفتح الكاف وتشديد الميم والباقون بسكون الكاف وتخفيف الميم.
تنبيه : ورد في فضل شهر رمضان وثواب الصائمين أخبار منها ما رواه أبو هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا دخل رمضان صفدت الشياطين ومردة الجنّ وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة ، فلم يغلق منها باب ، ونادى مناد : يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة» (٣) ومنها ما رواه أيضا أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (٤).
ومنها ما رواه سلمان قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في آخر يوم من شعبان فقال : «أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوّعا ، من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه ومن أدّى فيه فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزداد فيه الرزق ؛ من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصوم حديث ٢٤٠٧ ، والترمذي في الصوم حديث ٧١٠ ، والنسائي في الصيام حديث ٢٢٥٥ ، وابن ماجه في الصيام حديث ١٦٦٤.
(٢) أخرجه مسلم في الصيام حديث ١١١٦ ، والترمذي في الصوم حديث ٧١٣ ، والنسائي في الصيام حديث ٢٢٨٣.
(٣) أخرجه الترمذي في الصوم حديث ٦٨٢ ، وابن ماجه في الصيام حديث ١٦٤٢.
(٤) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.