الأحاديث من نحو قوله صلىاللهعليهوسلم : «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (١) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له» (٢) أجيب : بأنّ ذلك على حذف المضاف لا من اللبس قال التفتازاني : وجاز الحذف من الإعلام وإن كان من قبيل حذف بعض الكلمة ؛ لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين وإنما سماه العرب بذلك إمّا لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش ، وإمّا لارتماض الذنوب فيه. وقيل : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمضان الحر قال أئمة اللغة : كان أسماء الشهور في اللغة القديمة : مؤتمر ناجر خوان وبصان حنين ورنه الأصم وعل ناتق عادل هواع يراك فغيرت إلى محرّم صفر ربيع الأوّل ربيع الثاني جمادى الأول جمادى الثانية رجب شعبان رمضان شوّال ذي القعدة ذي الحجة على الترتيب وسمي المحرم لتحريم القتال فيه وصفر لخلو مكة عن أهلها إلى الحروب ، والربيعان لارتباع الناس فيهما أي : إقامتهم وجماديان لجمود الماء فيهما ورجب لترجيب العرب إياه أي : تعظيمهم له وشعبان لتشعب القبائل فيه ، ورمضان لرمض الفصال فيه ، وشوّال لشول أذناب اللواقح فيه ، وذو القعدة للقعود فيه عن الحرب ، وذو الحجة لحجهم فيه (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم تنزل منجما إلى الأرض وقيل : ابتدىء فيه إنزاله وكان ذلك ليلة القدر وقيل : أنزل في شأنه القرآن وهو قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «نزلت صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين» (٣) رواه الإمام أحمد وغيره.
تنبيه : قال ابن عادل : يروى أنّ جبريل عليهالسلام نزل على آدم اثنتي عشرة مرّة ، وعلى إدريس أربع مرّات ، وعلى إبراهيم اثنين وأربعين مرّة ، وعلى نوح خمسين مرّة ، وعلى موسى أربعمائة مرّة ، وعلى عيسى عشر مرّات ، وعلى محمد صلىاللهعليهوسلم أربعة وعشرين ألف مرّة ، وقرأ ابن كثير القرآن بنقل حركة الهمزة إلى الراء وتصير الراء مفتوحة وألف بعدها في المعرف والمنكر حيث جاء وكذا يقرأ حمزة في الوقف وقوله تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) حالان من القرآن أي : أنزل وهو هداية للناس لإعجازه من الضلالة إلى الحق وهو آيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل مما فيه من الحكم والأحكام.
فإن قيل : فما معنى قوله : وبينات من الهدى بعد قوله هدى للناس؟ أجيب : بأنه تعالى ذكر أولا أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى به الله وفرق به الحق والباطل من وحيه وكتبه السماوية الهادية الفارقة بين الهدى والضلال (فَمَنْ شَهِدَ) أي : حضر (مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي : فأفطر (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) تقدّم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم من شهد (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) أي : يريد أن ييسر
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٣٨ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٦٠ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٣٧٢ ، والترمذي في الصوم حديث ٦٨٣ ، والنسائي في الصيام حديث ٢٢٠٣ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٢٦.
(٢) أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب ٢ / ٩٩ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣ / ٢ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ١٧٠ ، وابن خزيمة في صحيحه ٣ / ١٩٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ٣٠٤.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ١٠٧ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ١٨٨ ، ٩٧٥ ، والأسماء والصفات ٢٣٤.