وَالْمَغْرِبِ) على قولين : أحدهما أنهم المسلمون ، والثاني أهل الكتابين ، فعلى الأوّل معناه ليس البرّ كله في الصلاة ولكن البرّ ما في هذه الآية ، قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء. وعلى الثاني ليس البرّ صلاة اليهود إلى المغرب وصلاة النصارى إلى المشرق ، فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوّلت وادّعى كل طائفة أنّ البرّ هو التوجه إلى قبلته ، فردّ الله تعالى عليهم وقال : ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ ، ولكن البر ما في هذه الآية قاله قتادة والربيع ومقاتل ، وقال قوم هو عام لهم وللمسلمين أي : ليس البرّ مقصورا بأمر القبلة. وقرأ حفص وحمزة بنصب البر على أنه خبر مقدّم ، والباقون برفعه وقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) على تأويل حذف المضاف أي : بر من آمن أو بتأويل البرّ بمعنى ذي البر أي : ولكن البرّ الذي ينبغي أن يهتمّ به بر من آمن أو لكن ذا البرّ من آمن (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ) أي : الكتب إن أريد به الجنس وإلا فالقرآن (وَالنَّبِيِّينَ) والتأويل الأوّل أولى ؛ لأن السابق في الآية إنما هو نفي كون البر ، تولية الوجه والذي يستدرك إنما هو من جنس ما ينفى. وقرأ نافع وابن عامر بكسر نون ولكن مخففة ورفع راء البر والباقون بنصب النون مشدّدة ونصب الراء والنبيين تقدّم أنّ نافعا يقرؤه بالهمزة والباقون على البدل وورش على أصله من المدّ والتوسط والقصر.
(وَآتَى الْمالَ عَلى) أي : مع (حُبِّهِ) له كما قال عليه الصلاة والسّلام لما سئل أيّ الصدقة أفضل؟ : «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ـ أي الحياة ـ وتخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم» (١). قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان وقيل : الضمير لله أي : على حب الله (ذَوِي الْقُرْبى) أي : القرابة قال صلىاللهعليهوسلم : «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» (٢)(وَالْيَتامى) جمع يتيم وتقدّم تعريفه (وَالْمَساكِينَ) جمع مسكين وهو من له مال أو كسب يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه بخلاف الفقير ، فإنه من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من كفايته وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في سورة براءة (وَابْنَ السَّبِيلِ) أي : المسافر يقال للمسافر : ابن السبيل لملازمته الطريق وقيل : هو الضيف ينزل بالرجل ، قال صلىاللهعليهوسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» (٣)(وَالسَّائِلِينَ) أي : الطالبين الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال ، قال صلىاللهعليهوسلم : «للسائل حق وإن جاء على ظهر فرسه» (٤) رواه الإمام أحمد. وفي رواية : «ردّوا السائل ولو بظلف محرق» (٥)(وَفِي الرِّقابِ) أي : فكها معاونة المكاتبين وقيل : فرض الأسراء وقيل : ابتياع الرقاب لعتقها (وَأَقامَ الصَّلاةَ) المفروضة (وَآتَى الزَّكاةَ) المفروضة.
فإن قيل : قد ذكر إتيان المال في هذه الوجوه ثم ثنى بإتيان الزكاة ، فقد دل ذلك على أنّ في المال حقا سوى الزكاة أجيب : بأنّ المتقدّم في التطوّع ، وإن قال الشعبي : إنّ في المال حقا سوى
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤١٩ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٣٢ ، وأبو داود في الوصايا حديث ٢٨٦٥ ، والنسائي في الوصايا حديث ٣٦١١ ، وابن ماجه في الوصايا حديث ٢٧٠٦.
(٢) أخرجه الترمذي في الزكاة حديث ٦٥٨ ، والنسائي في الزكاة حديث ٢٥٨٢.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠١٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٤٧ ، وأبو داود في الأطعمة حديث ٣٧٤٨ ، والترمذي في صفة القيامة حديث ٢٥٠٠ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٦٧٢.
(٤) أخرجه أبو داود في الزكاة حديث ١٦٦٥ ، ١٦٦٦ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٠١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ / ٢٣.
(٥) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٧٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٧٧.