لأنها عقوبة عليهم فكأنهم أكلوا النار ، وقيل : معناه أنه يصير نارا في بطونهم (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : لا يكلمهم بالرحمة بما يبشرهم إنما يكلمهم بالتوبيخ أو يكون عليهم غضبان كما يقال : فلان لا يكلم فلانا إذا كان عليه غضبان لما ثبت بالنصوص أنه تعالى يسألهم والسؤال كلام ، فحمل نفي الكلام على الغضب فهو كناية ويجوز بقاء الكلام على ظاهره وتحتمل نصوص السؤال على أنه يقع بألسنة الملائكة (وَلا يُزَكِّيهِمْ) أي : ولا يطهرهم من دنس الذنوب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم وهو النار.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا) أي : استبدلوا (الضَّلالَةَ بِالْهُدى) فأخذوها بدله في الدنيا (وَ) استبدلوا (الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) أي : المعدّة لهم في الآخرة لو لم يكتموا الحق للمطامع والأغراض الدنيوية (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي : ما أشدّ صبرهم وهو تعجب للمؤمن من ارتكاب موجباتها من غير مبالاة وإلا فأيّ صبر لهم كما قال الحسن : والله ما لهم عليها من صبر ولكن ما أجرأهم على العمل الذي يقرّبهم إلى النار. وقال الكسائي : فما أصبرهم على عمل أهل النار أي : ما أدومهم عليه.
روي عن الكسائي أنه قال : قال لي قاضي اليمن بمكة : اختصم إليّ رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال : ما أصبرك على عذاب الله تعالى.
(ذلِكَ) أي : الذي ذكر من أكلهم النار وما بعده (بِأَنَ) أي : بسبب أنّ (اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ) وقوله تعالى : (بِالْحَقِ) متعلق بنزل فرفضوه بالتكذيب أو الكتمان وقوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) اللام فيه إما للجنس واختلافهم إيمانهم ببعض كتب الله تعالى وكفرهم ببعضها ، وإما للعهد وحينئذ الإشارة إما للتوراة واختلافهم حيث آمنوا ببعضها وكفروا ببعضها بكتمه ، وإما إلى القرآن واختلافهم فيه قولهم : سحر وتقوّل وكلام علمه بشر وأساطير الأوّلين (لَفِي شِقاقٍ) أي : خلاف (بَعِيدٍ) عن الحق واختلف في المخاطب بقوله تعالى :
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤))
(لَيْسَ الْبِرَّ) أي : وهو كلّ فعل مرضي (أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) أي : في الصلاة (قِبَلَ الْمَشْرِقِ