الزكاة وتلا هذه الآية ، ففي الحديث : «نسخت الزكاة كل صدقة» (١). رواه الدارقطني والبيهقيّ أي : نسخت الزكاة وجوب كل صدقة. وروي ليس في المال حق سوى الزكاة (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) فيما بينهم وبين الله عزوجل وفيما بينهم وبين الناس إذا وعدوا أنجزوا ، وإذا حلفوا أو نذروا وفوا ، وإذا قالوا صدقوا وإذا ائتمنوا أدّوا.
تنبيه : الموفون عطف على من آمن وقيل : رفع على المبتدأ والخبر أي : وهم الموفون وقوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) أي : شدة الفقر (وَالضَّرَّاءِ) أي : المرض (وَحِينَ الْبَأْسِ) أي : وقت شدّة القتال في سبيل الله تعالى نصب على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال.
وروي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه قال : كنا إذا حمي البأس ـ أي : اشتدّ الحرب ـ ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه (٢)(أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (الَّذِينَ صَدَقُوا) في الدين واتباع الحق وطلب البر (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الله التاركون للكفر وسائر الرذائل.
قال البيضاويّ رحمهالله تعالى : والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحا أو ضمنا ، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء : صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس ، وقد أشير إلى الأوّل بقوله تعالى : (مَنْ آمَنَ) إلى (وَالنَّبِيِّينَ) وإلى الثاني بقوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ) إلى (وَفِي الرِّقابِ) وإلى الثالث بقوله : (وَأَقامَ الصَّلاةَ) إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسّلام : «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان» (٣).
ونزل في حيين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهما قتلى وجراحات يأخذ بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام وكان لأحد الحيين طول على الآخر في الكثرة والشرف وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهور ، فأقسموا لنقتلنّ بالعبد الحرّ منهم وبالمرأة منا الرجل منهم وبالرجل منا الرجلين منهم وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك ، فرفعوا أمرهم إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) أي : فرض (عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) وهو المساواة والمماثلة (فِي الْقَتْلى) وصفا وفعلا (الْحُرُّ) يقتل (بِالْحُرِّ) ولا يقتل بالعبد (وَ) يقتل (الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ) يقتل (الْأُنْثى بِالْأُنْثى) وبينت السنة أنّ الذكر يقتل بالأنثى وأنّ المماثلة تعتبر في الدين فلا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر وللأئمة في ذلك خلاف وأدلة مذكورة في الفقه وكلهم على هدى من ربهم (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) أي : من القاتلين (مِنْ) أي : دم (أَخِيهِ) المقتول (شَيْءٌ) بأن ترك القصاص منه وتنكير شيء يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ولو من بعض الورثة وفي ذكر أخيه تعطف على العفو
__________________
(١) أخرجه الدارقطني في سننه ٤ / ٢٨١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٩ / ٢٦٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٥٧٨١.
(٢) أخرجه بنحوه مسلم في الجهاد حديث ٧٩.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.