وكذا ما بعدها وهي التي ماتت من غير ذكاة شرعية وألحق بها بالسنة ما أبين من حيّ وخص منها السمك والجراد والحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفا حرمة التصرّف فيها مطلقا إلا ما خصه الدليل كالتصرّف في المدبوغ (وَالدَّمَ) أي : المسفوح كما قال تعالى في سورة الأنعام : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال» (١) وهو في حكم المرفوع بل رفعه ابن ماجه وغيره لكن بسند ضعيف (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) أي : جميع أجزائه وعبر عن ذلك باللحم ؛ لأنه معظم المقصود منه وغيره تبع له (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي : ذبح على اسم غيره ، والإهلال : رفع الصوت وكانوا يرفعونه عند الذبح لآلهتهم (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر فأكله. (غَيْرَ باغٍ) أي : خارج على المسلمين وقيل : مجاوز للمقدار الذي أحلّ له (وَلا عادٍ) أي : متعد على المسلمين بقطع الطريق وقيل : لا يقصر فيما أبيح له فيدعه ، وقال سهل بن عبد الله : غير باغ مفارق للجماعة ، ولا عاد مبتدع مخالف للسنة فلم يرخص للمبتدع في تناول المحرّم عند الضرورة. وقال مسروق : من اضطرّ إلى الميتة والدم ولحم الخنزير ، فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار. واختلف العلماء في قدر ما يحل للمضطرّ أكله من الميتة على قولين : أحدهما أن يأكل مقدار ما يمسك رمقه وهو قول ابن أبي حنيفة ، والراجح عند الشافعيّ والقول الآخر يجوز أن يأكل حتى يشبع وبه قال مالك : (فَلا إِثْمَ) أي : لا حرج (عَلَيْهِ) في أكل ما ذكر وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بكسر نون فمن اضطرّ في الوصل والباقون يضمها.
ئدة : قال البغويّ (غَيْرَ) نصب على الحال وقيل : على الاستثناء وإذا رأيت غير تصلح في موضعها لا فهي حال ، وإذا صلح في موضعها إلا فهي استثناء (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن أكل في حال الاضطرار (رَحِيمٌ) حيث رخص للعباد في ذلك.
فإن قيل : إنما تفيد قصر الحكم على ما ذكر وكم من محرّم لم يذكر أجيب : بأنّ المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحله الكفار لا مطلقا وقصر ما ذكر على حال الاختيار كأنه قيل : إنما حرّم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطرّوا إليها.
تنبيه : ألحق بالباغي والعادي كل عاص بسفره كالآبق والمكاس فلا يحلّ لهم أكل شيء من ذلك ما لم يتوبوا وعليه الشافعيّ.
ونزل في علماء اليهود ورؤسائهم الذين كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمآكل وكانوا يرجون أن يكون النبيّ المنعوت منهم ، فلما بعث صلىاللهعليهوسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد صلىاللهعليهوسلم فغيروها ثم أخرجوها إليهم ، فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلىاللهعليهوسلم فلا يتبعونه.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) المشتمل على نعت محمد صلىاللهعليهوسلم (وَيَشْتَرُونَ بِهِ) أي : بالمكتوم (ثَمَناً) أي : عوضا (قَلِيلاً) أي : يسيرا أي : المآكل التي يصيبونها من سفلتهم (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) أي : ملء بطونهم يقال : أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه (إِلَّا النَّارَ) أي : ما يؤدّيهم إلى النار وهو الرشوة وثمن الدين ، ولما كان يفضي بهم إلى النار ؛
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في الأطعمة حديث ٣٣١٤.