العرب : الملائكة بنات الله : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) فقال الله تعالى ردّا عليهم : (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن ذلك فإنه يقتضي التشبيه والحاجة وسرعة الفناء وقرأ ابن عامر قالوا : بغير واو قبل القاف والباقون بالواو وقبل القاف (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا ومن جملة ذلك العزير والمسيح والملائكة والملكية تنافي الولدية وعبر بما تغليبا لما لا يعقل لكثرته (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : منقادون كلّ بما يراد منه لا يمتنعون عن مشيئته وتكوينه وفي ذلك تغليب للعاقل لشرفه والآية مشعرة على فساد ما قالوه من ثلاثة أوجه الأول : قوله : سبحانه والثاني : قوله : بل له ما في السموات والأرض والثالث : كل له قانتون واحتج بها الفقهاء على أنّ من ملك ولده عتق عليه ؛ لأنه تعالى نفى الولد بإثبات الملك وذلك يقتضي تنافيهما.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : موجدهما لا على مثال سبق وهذا وجه رابع يشعر بفساد ما قالوه أيضا ؛ لأنّ الوالد عنصر الولد المنفصل بانفصال مادّته عنه والله سبحانه وتعالى مبدع الأشياء كلها فاعل على الإطلاق منزه عن الصفات فلا يكون والدا (وَإِذا قَضى أَمْراً) أي : أراد إيجاد شيء وأصل القضاء إتمام الشيء قولا كان كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ) [الإسراء ، ٢٣] أو فعلا كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت ، ١٢] وأطلق على تعليق الارادة الإلهية وجود الشيء من حيث إنه يوجبه (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وهذا مجاز من الكلام وتمثيل وإنما المعنى أنّ ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما أنّ المأمور المطيع الذي يؤمر فيتمثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء ، وفيه تقرير لمعنى الإبداع دائما وهذا وجه خامس يشعر بفساد ما قالوه أيضا ؛ لأن اتخاذ الولد مما يكون بأطوار ومهلة وفعله تعالى مستغن عن ذلك ، وقرأ ابن عامر بنصب النون من يكون جوابا للأمر والباقون بالرفع على معنى فهو يكون.
فإن قيل : المعدوم لا يخاطب أجيب : بأنه لما قدّر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فصحّ خطابه.
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وهم اليهود كما قاله ابن عباس أو النصارى كما قاله مجاهد أو مشركو العرب كما قاله قتادة ونفى عنهم العلم ؛ لأنهم لم يعملوا به (لَوْ لا) أي : هلا (يُكَلِّمُنَا اللهُ) كما يكلم الملائكة أو يوحي إلينا بأنك رسوله (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) أي : علامة مما اقترحناه على صدقك (كَذلِكَ) أي : كما قال هؤلاء : (قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) من التعنت وطلب الآيات فقالوا : أرنا الله جهرة وهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي : قلوب هؤلاء ومن قبلهم في الكفر والعناد ، وفي هذا تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الحقائق ولا يعتريهم شبهة ولا عناد. وفيه إشارة إلى أنهم قالوا ذلك لا لخفاء في الآيات أو لطلب مزيد يقين وإنما قالوه عتوّا وعنادا.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد (بِالْحَقِ) أي : القرآن كما قاله ابن عباس كما قال تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) [ق ، ٥] أو الإسلام وشرائعه كما قاله ابن كيسان قال تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) [الإسراء ، ٨١] (بَشِيراً) أي : مبشرا من أجاب إلى ذلك بالجنة (وَنَذِيراً) أي : منذرا من لم يجب إليه بالنار أي : إنما أرسلناك ؛ لأن تبشر وتنذر لا لتجبر الناس على الإيمان وهذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه كان يغتم ويضيق صدره لإصرارهم وتصميمهم على الكفر (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي : النار وهم الكفار ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بيّنت وبلغت جهدك في