دعوتهم كقوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد ، ٤٠] وقرأ نافع : تسأل بفتح التاء وسكون اللام على النهي.
قال عطاء عن ابن عباس : وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم : «ليت شعري ما فعل أبواي» (١) فنزلت هذه الآية فنهى عن السؤال عن أحوال الكفرة والاهتمام بأعداء الله تعالى لكن الخبر ضعيف والمختار أنها نزلت في كفار أهل الكتاب ، وقرأ الباقون بضم التاء واللام على النفي أي : ولست بمسؤول عنهم كما قال تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد ، ٤٠].
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) أي : دينهم أي : لن ترضى عنك اليهود إلا باليهودية ولا النصارى إلا بالنصرانية. وفي هذا مبالغة في إقناطه صلىاللهعليهوسلم عن إسلامهم وذلك أنهم كانوا يسألونه الهدنة ويطمعونه أنه إن أمهلهم اتبعوه فأنزل الله تعالى هذه الآية. فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته؟ قال البيضاوي : ولعلهم قالوا مثل ذلك فحكى الله تعالى ذلك عنهم ولذلك قال : (قُلْ) تعليما للجواب (إِنَّ هُدَى اللهِ) الذي هو الإسلام (هُوَ الْهُدى) أي : هو الذي يصح أن يسمى هدى وهو الهدى كله ليس وراءه هدى وما يدعون إلى اتباعه ما هو بهدى إنما هو أهواء ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَلَئِنِ) اللام لام القسم (اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) أي : آراءهم الزائغة التي يدعونك إليها الخطاب معه صلىاللهعليهوسلم والمراد منه أمّته كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر ، ٦٥] (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي : من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يحفظك (وَلا نَصِيرٍ) يمنعك منه.
ونزل في جماعة من أهل الكتاب قدموا من الحبشة وأسلموا : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) وهو مبتدأ (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) أي : يعرفونه كما أنزل لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم ، والجملة حال مقدّرة وحق نصب على المصدر والخبر (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي : بكتابهم دون المحرفين (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي : بالكتاب المؤتى بأن يحرفه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم. ولما صدر قصة بني إسرائيل بالأمر بذكر النعم والقيام بحقوقها والحذر عن إضاعتها والخوف من الساعة وأحوالها في قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) [البقرة ، ٤٠] إلخ .. كرر ذلك بقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي : عالمي زمانهم.
(وَاتَّقُوا) أي : خافوا (يَوْماً لا تَجْزِي) أي : لا تغني (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) فيه (شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) أي : فداء (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي : يمنعون من عذاب الله وختم بالمكرّر الكلام معهم مبالغة في النصح.
تنبيه : اتفق القراء على قراءة يقبل هنا بالياء على التذكير.
(وَ) اذكر (إِذِ ابْتَلى) أي : اختبر (إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) أي : بأوامر ونواه وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء لأنه عالم بهم ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضا. واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليه الصلاة والسّلام ، فقال عكرمة عن ابن عباس : هي ثلاثون من شرائع الإسلام : عشر في براءة (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) [التوبة ، ١١٢]
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ٤٤٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١١١ ، والطبري في تفسيره ١ / ٤٠٩ ، والقرطبي في تفسيره ٢ / ٩٢ ، وابن كثير في تفسيره ١ / ٢٣٤.