__________________
ـ فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) وهو يخالف تلك القاعدة ، لأن العوج في هذه الآية مما يدرك بالطرف ، ومع ذلك جاء مكسور العين. فقد قال ابن عباس : عوجا أي ميلا أو واديا. وقال قتادة : عوجا صدعا. وذكر ابن كثير أن ذلك قول ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد من السلف. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣ / ١٦١). إلا أن الراغب ـ رحمهالله ـ أراد طرد القاعدة التي ذكرها ، لذلك فسّر العوج في الآية بمعنى ذهني يدرك بالفكر وهو الظلم وما يكون في الأرض. ولم أجد أحدا وافقه على هذا التأويل.
وقد أورد الزمخشري في هذه الآية معنى آخر استحسنه أبو حيان في البحر المحيط (٦ / ٢٥٩) ، والسمين الحلبي في الدر المصون (٣ / ٣٢٧) حيث قال : فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج ، فقالوا : العوج بالكسر في المعاني ، والعوج بالفتح في الأعيان ، والأرض عين ، فكيف صحّ فيها المكسور العين؟ قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملامسة ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون ، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأي المهندس فيها ، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية ، لعثر فيها على عوج في غير موضع ، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي ، فنفى الله عز وعلا ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك ، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني ، فقيل فيه : عوج بالكسر» الكشاف (٣ / ٨٨). قلت : وأحسن من ذلك قول ابن الأثير : (عوج) وهو بفتح العين مختصّ بكل شيء مرئي