لقوله : (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)(١) ولما لم يكن للإنسان سبيل إلى ذلك إلا بحسن ، عبادته صار ذلك حقّا على الناس ، ولذلك أكّد لفظه ، وخصّه بما لم يخص به شيئا من العبادات ، فقال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) ، وقال بعض الصوفية : في الحج إشارات اقتضت تأكيد لفظ الأمر به ، وذاك أن في العقد به إشارة إلى معاقدة الولاء المعني بقوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا)(٢) ، وبالتلبية إلى الإجابة له فيما دعا إليه ، / وبالتجرد إلى التجرد من الدنيا ، وأنه عاد كما خرج من بطن أمه ، وبالوقوف إلى الوقوف ببابه ، وبالسعي إلى السعي إليه ، وبالطواف إلى محلّ القربة منه (٣) ، قال : ولذلك حقّ على المسلم أن يتغير حاله بعد حجه عما كان عليه قبل ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «من حج فلم يفسق ولم يرفث كان كيوم ولدته أمه» (٤) ، يعني لم يفسق ولم يرفث بعد رجوعه من
__________________
ـ تحت عنوان : ذكر نبذة من كلامهم في القرآن.
(١) سورة التحريم ، الآية : ١١.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٧.
(٣) انظر : لطائف الإشارات (١ / ٢٧٦) ، وإحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (١ / ٢٦٥ ـ ٢٧٢) تحت عنوان : بيان الأعمال الباطنة ووجه الإخلاص في النية ، وطريق الاعتبار بالمشاهد الشريفة ، وكيفية الافتكار فيها والتذكر لأسرارها ومعانيها من أول الحج إلى آخره.
(٤) لفظ الحديث : «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»