جواب لهم. والاعتراض بين المتصلين من الجملة بما فيه تحقيق لمقتضاها ، أو ردّ لها من بلاغات كلامهم (١) ، وعلى ذلك قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً* أُولئِكَ ...)(٢) فقوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) فصل بين اسم إنّ وخبره ، لتحقيق مقتضى الكلام ، والثاني : وهو أن يجعل أن متصلا بقوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) ، ويكون كلام اليهود قد انقطع عند قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا
__________________
(١) انظر فائدة الاعتراض في شرح التلخيص ص (١١٦ ، ١١٧) وقال الزمخشري : «فإن قلت : فما معنى الاعتراض؟ قلت : معناه أن الهدى هدى الله ، من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباته على الإسلام كان ذلك ، ولم ينفع كيدكم وحيلكم وزيّكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين.
وكذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يريد الهداية والتوفيق» الكشاف (١ / ٣٧٤). وأحسن منه قول أبي حيّان : «ومعنى الاعتراض على هذه الأوجه أنه أخبر تعالى بأن ما راموا من الكيد والخداع بقولهم : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ) الآية لا يجدي شيئا ، ولا يصدّ عن إيمان من أراد الله إيمانه ، لأن الهدى هو هدى الله ، فليس لأحد أن يحصّله لأحد أو أن ينفيه عن أحد» البحر المحيط (٢ / ٥٢٠). وإنما كان كلام أبي حيان أحسن من كلام الزمخشري ، لأن الزمخشري لم يشر إلى إضلال الله من يشاء ، تبعا للمعتزلة الذين يقولون بأن الله تعالى لا يضلّ أحدا ، والعبد هو الذي يخلق الضلال والشر لنفسه ولغيره.
(٢) سورة الكهف ، الآيتان : ٣٠ ، ٣١.