موافقة لشريعته فيما حكى (١) ، وهذا ظاهر ، ونبّه بقوله (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أن ما يقولونه ويفعلونه بخلاف مقتضى العقل ، وأن العقل يزجر عن اتباع دعوى بلا حجة.
قوله عزوجل : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢) ها للتنبيه عمّا يضلّ عنه الإنسان أو يغفل ، تقول ها أنا ذا. تنبيها لمن غفل عنك (٣) ، فإن قيل : فهب أن الإنسان يغفل عن غيره ، فكيف يغفل عن نفسه ، حتى يقال : ها أنتم؟ قيل : فليس حقيقة (ها أَنْتُمْ) تنبيه المخاطب على وجود ذاته ، وإنما هو تنبيه على أحواله التي غفل عنها ، فالإنسان قد يغفل عن كثير من معايبه لشغفه بنفسه ، فيحتاج أن ينبّه عليه ، ولهذا لا يقتصر على قوله :
__________________
(١) ولذلك أمرنا الله عزوجل باتباع ملته في القرآن فقال : (قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [آل عمران : ٩٥] ، وقال : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النساء : ١٢٥] ، وقال : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣]. وبيّن أن الإعراض عن ملته سفه وضلال ، وذلك في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠].
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٦٦.
(٣) انظر : العين (٤ / ١٠٢ ، ١٠٣) والكتاب (٢ / ٣٥٤ ، ٣٥٥) ، وشرح المفصّل لابن يعيش (٨ / ١١٣ ، ١١٤) ، ومغني اللبيب ص (٤٥٦) ، والبحر المحيط (٢ / ٥١٠).