كن بعد أن خلقه من تراب؟ قيل : معناه كن إنسانا حيّا ناطقا ، وهو لم يكن كذلك ، بل كان دهرا جسدا ملقى لا روح فيه. على ما روي في الخبر ، ثم جعل فيه الروح (١) ، وجعل كن عبارة
__________________
ـ وقال ابن عطية : (عِنْدَ اللهِ) عبارة عن الحق في نفسه ، أي هذا هو الأمر فيما غاب عنكم. المحرر الوجيز (٣ / ١٠٩) ، وانظر : البحر المحيط (٢ / ٥٠١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ٤٥).
(١) يشير الراغب رحمهالله إلى خبر ابن عباس الطويل في بدء الخليقة ، وهو ما رواه الطبري في جامع البيان (١ / ٤٥٥ ـ ٤٥٧) بسنده عن ابن عباس وفيه : «فقال الله للملائكة الذين معه : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقالت الملائكة مجيبين له : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما أفسدت الجن وسفكت الدماء ، وإنما بعثنا عليهم لذلك!! فقال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) يقول : إني قد اطّلعت من قلب إبليس على ما لم تطّلعوا عليه من كبره واغتراره. قال : ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم من طين لازب ـ واللازب : اللزج الصلب ، من حمأ مسنون ـ منتن. قال : وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب. قال : فخلق منه آدم بيده ، فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى. فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل ـ أي فيصوّت ـ قال : فهو قول الله : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : ١٤] يقول : كالشيء المنفوخ الذي ليس بمصمت. قال : ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ويخرج من فيه. ثم يقول : لست شيئا ـ للصلصلة ـ ولشيء ما خلقت ، لئن سلّطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلّطت عليّ لأعصينك. قال : فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة