نحو أدركني الجهد وأدركت الجهد (١) ، ولا يقال : أدركني المكان ، لأن حقيقة إدراك المكان من الإنسان دون المكان ، وإدراك الجهد والكبر مجاز في الطرفين (٢) ، فصار انتساب كل واحد منهما إلى
__________________
(١) قال ابن جرير الطبري : وقيل : بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ، وقد قال في موضع آخر : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ ، لأن ما بلغك فقد بلغته ، وإنما معناه : قد كبرت ، وهو كقول القائل : «قد بلغني الجهد» بمعنى : إني في جهد» جامع البيان (٦ / ٣٨١ ، ٣٨٢) وكلام الراغب يشبه هذا الكلام.
(٢) المجاز لغة : خلاف الحقيقة ، واصطلاحا : استعمال لفظ الحقيقة فيما وضع دالّا عليه ثانيا نسبة وعلاقة بين مدلولي الحقيقة والمجاز. انظر : الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز للعز بن عبد السّلام ص (١٨) والقاموس ص (٦٥١) ، وقد قسم العلماء ـ القائلون بالمجاز ـ المجاز إلى ثلاثة أقسام : أحدها : ما طرفاه حقيقتان نحو : أنبت المطر البقل. والثاني : ما طرفاه مجازيان نحو : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ، وأشار الراغب إلى أن قوله تعالى : (بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) من هذا القسم. والثالث : ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر ، نحو (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [محمد : ٤] ، وقد اختلف العلماء في وقوع المجاز في القرآن واللغة ، فمنهم من قال : لا مجاز مطلقا لا في القرآن ولا في اللغة ، ومنهم من أثبته فيهما ، ومنهم من أثبته في أحدهما دون الآخر. انظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠ / ٤٠٠ ـ ٤٩٧) ، وهي رسالة في الحقيقة والمجاز. والبرهان في علوم القرآن للزركشي (٢ / ٣٧٧) ، والإتقان للسيوطي (٢ / ٣٦). ومنع جواز المجاز للشنقيطي.