(مِنْ لَدُنْكَ) أي من نعمك وفضلك الإلهي ، وذاك أن إيجاد الأشياء وإن كان كلها بقدرته وفضله فعلى ضربين : إبداع ، وهو الذي لم يجعل لغيره إليه سبيلا ، لا للملائكة ولا للناس ، وفعل جعل للروحانيّ أو الجسمانيّ إليه سبيلا ، فبين بقوله : (مِنْ لَدُنْكَ) أنه يسأل ما يتفرّد بإيجاده (١) ، وقوله : (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) أي مجيب لمن دعاك على الشرائط التي بها تدعى ، وقد تقدّم الكلام في شرائط الدعاء (٢) في قوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ)(٣).
__________________
ـ ففسر الطيبة بالمباركة ، وروى في ذلك أثرا عن السّدي. وانظر : النكت والعيون (١ / ٣٨٩) ، وتفسير القرآن لأبي المظفر السمعاني (١ / ٣١٤) ، وزاد المسير (١ / ٣٨٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٧٢).
(١) قال أبو حيان في البحر المحيط (٢ / ٤٦٣): «ولما كان ذلك يكاد يكون على سبيل ما لا تسبب فيه ؛ لا من الوالد لكبر سنه ، ولا من الوالدة لكونها عاقرا لا تلد ، فكان وجوده كالوجود بغير سبب أتى هبة محضة منسوبة إلى الله تعالى بقوله : (مِنْ لَدُنْكَ) أي من جهة محض قدرتك من غير توسط سبب» وقد تقدّم كلام الراغب على (لَدُنْكَ) عند تفسيره للآية الثامنة من هذه السورة. انظر : ص (٤٣٣) من هذه الرسالة.
(٢) وهي كما ذكرها : الدعاء بأحسن الأسماء ، وإخلاص النية ، وإظهار الافتقار ، وعدم الرغبة فيما ينزّه الأكابر عن مسألة مثله ، أو ما يستعان به على معاداته ، والعلم بأن نعمته فيما يمنعه من دنياه كنعمته فيما أعطاه وخوّله. انظر : تفسير الراغب (ق ١٢٥ ـ مخطوط).
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٨٦.