الاقتصار في المحاجّة (١) على أن يقول : تقبل ما أقوله أم تردّه ، فإن رددته أعرضت عنك؟ قيل : المحاجّة ضربان : ضرب للاستهداء وضرب للعناد. ولما كان الله قد بيّن لهم الأدلة ، وبين أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، قال حينئذ : إن عاندوك فعرفهم مخالفتك لهم ، وهذا كما يقال لمن أوضحت له الحجة : إن قبلت وإلا أعرضنا عنك (٢). وقال بعضهم : إنما نبّه بهذه الآية على الحجة اللازمة لهم ، ووجه ذلك أنه قال : قل لهم : إني توجهت إلى الله بعبادة. فهل تنكرون كونه معبودا ، فإنه لا يمكنهم إنكار ذلك إذ كان وجوب عبادته والتوحّد له محمودا عند الكلّ ، وإنما اختلافهم في غيره (٣) ، فبيّن أنهم إن أسلموا للحجة فقد اهتدوا ، فإن
__________________
(١) قال الراغب في المفردات : «والمحاجّة : أن يطلب كلّ واحد أن يردّ الآخر عن حجته ومحجّته». انظر : المفردات ص (٢١٩). وانظر : بصائر ذوي التمييز (٢ / ٤٣١ ، ٤٣٢).
(٢) قال الألوسي في روح المعاني (٣ / ١٠٨): «وفيه إشارة إلى أن الجدال معهم ليس في موقعه ، لأنه إنما يكون في أمر خفي ، والذي جادلوا به أمر مكشوف ، وحكم حاله معروف ، وهو الدين القويم ، فلا تكون المحاجة والمجادلة إلا مكابرة ، وحينئذ يكون هذا القول إعراضا عن مجادلتهم».
وانظر : جامع البيان (٦ / ٢٨٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٢ / ٦١٩) ، والكشاف (١ / ٣٤٦ ، ٣٤٧) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٤٣). وأنوار التنزيل وأسرار التأويل (١ / ١٥٣).
(٣) فاليهود يدّعون التشبيه والتجسيم ، والنصارى يدّعون إلهية المسيح ـ عليهالسلام ، والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان ، فهؤلاء هم المدّعون ، فعليهم الإثبات. انظر : روح المعاني (٣ / ١٠٨).