ذكر الفتنة تنبيها أن قصدهم إلى إيقاع الفتنة قبل طلب تأويله ، وهذا القصد باتفاق أهل العقول كلها مذموم ، فإن قيل : هب أن اتباع طلب الفتنة مذموم. فكيف ذمّوا بابتغاء تأويله؟ قيل : طلب التأويل من نفس المتشابه مذموم ، إذ لا سبيل إلى تبيّنه منه ، وإنما طلب الحق يجب أن يكون بردّه إلى المحكم (١) وإلى الرسول وإلى أولي الأمر ، حسب ما نبّه عليه تعالى بقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)(٢) الآية. وكلّ له حالتان : دهما : أن يكون تابعا على طريق التأكيد ، فلا يحذف منه ضمير ما أكّد به ، نحو : مررت بالقوم كلّهم. والثاني : أن تجعله مخبرا عنه ، فيصحّ الحذف منه إيجازا ، نحو : (إِنَّا كُلٌّ فِيها)(٣) ، وفي
__________________
(١) قال ابن جرير الطبري عند تفسيره لقول الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) ، «وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك ، فإنه معنيّ بها كل مبتدع في دين الله بدعة فمال قلبه إليها ، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن ، ثم حاجّ به ، وجادل به أهل الحق ، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات ، إرادة منه بذلك اللّبس على أهل الحق من المؤمنين ، وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنا من كان». انظر : جامع البيان (٦ / ١٩٨).
(٢) سورة النساء ، الآية : ٨٣.
(٣) سورة غافر ، الآية : ٤٨.