والذي لا يدرك ، وعلى أيّ غاية يجب أن يقف طالب العلم ، وأي مكان يتجاوزه ، وهذا أشرف منزلة للحكماء ، ولذلك قالت عائشة (١) رضي الله عنها : «من رسوخ علمهم الإيمان بمحكمه ومتشابهه وإن لم يعلموا تأويله» (٢) إن قيل : ما فائدة الإتيان بالمتشابه في القرآن؟ (٣) قيل : فوائد جمة ، منها : أن يبيّن تشريف العلماء بتميّزهم عن غيرهم ، ومنها : رياضة العقول في تعرّفها ، ومنها : استحقاق الثواب بتعب الفكر فيه ، ومنها : إظهار شرف
__________________
(١) عائشة بنت أبي بكر الصديق ، هي أم المؤمنين ، تزوجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي بنت ست سنين ، ودخل بها وهي بنت تسع سنين ، كانت أفقه نساء الأمة ، وفضائلها مشهورة ، توفيت سنة ٥٧ ه. انظر : تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٣٣) ، الإصابة (٨ / ٢٣١) ، تقريب التهذيب ص (٧٥٠).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٦ / ٢٠٢) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (٢ / ٥٩٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٠) ، وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر ، ولم أقف عليه في القسم الذي وصلنا منه.
(٣) عقد الراغب في مقدمة جامع التفاسير فصلا في بيان حكمة الله تعالى في جعله بعض الآيات متشابها. انظر : مقدمة جامع التفاسير ص (٨٩) ، وقد تعرّض بعض المفسرين : كالزمخشري وابن الجوزي والرازي وأبي حيان لفائدة الإتيان بالمتشابه في القرآن ، فذكروا نحوا مما ذكره الراغب ، وزادوا عليه. انظر : الكشاف (١ / ٣٣٨) ، زاد المسير (١ / ٣٥١) ، التفسير الكبير (٧ / ١٤٩) ، البحر المحيط (٢ / ٣٩٨).