تلاوة أحرف لا نعرف معناها ، فيثيبنا على تلاوتها ، كما يكلّفنا أفعالا لا نعرف وجه الحكمة فيها ، ليثيبنا عليها (١) ، فالتلاوة فعل يختصّ باللسان ، ومن جعل قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) معطوفا جعل قوله : (يَقُولُونَ) في موضع الحال للمعطوف دون المعطوف عليه ، كما في قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(٢) حال للمعطوف دون المعطوف عليه.
إن قيل : لم خص الراسخين بأنهم يقولون آمنا به؟ قيل : لأن معرفة ما للإنسان سبيل إلى معرفته مما لا سبيل له إلى معرفته هو من علوم الراسخين ، لأن الحكماء (٣) هم الذين يميّزون بين ما يمكن علمه وما لا يمكن أن يعلم ، وما الذي يدرك إن طلب
__________________
ـ على كنه ما هي عليه. انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٢٨) ، ولعله يشير بقوله : «ومن العلماء» إلى شيخ الإسلام ابن تيمية حيث تكلم بهذا الكلام في مجموع الفتاوى (١٣ / ٢٨٨ ، ٢٨٩).
(١) وقد مثّل الراغب لذلك ببعض الحركات التي تحصل في كثير من العبادات في الصلاة والحج ، قال : وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي أنهم أمروا بالتفوه بهذه اللفظة. انظر : مقدمة جامع التفاسير ص (٨٨).
(٢) سورة الفجر ، الآية : ٢٢.
(٣) انظر في هذا المعنى : معجم مقاييس اللغة (٢ / ٩١) ، والمفردات ص (٢٤٩) ، والحكماء : هم الفلاسفة. انظر : المعجم الفلسفي (١ / ٤٩٣) ، والمعجم الوسيط (١ / ١٩٠). والراغب يقصد بالحكماء هنا : الراسخين في العلم من علماء المسلمين.