(إن) وما بينهما اعتراض مؤكّد ، وهذا أيضا شاهد على أن دين الإسلام هو العدل والتوحيد ، فترى القراءات كلها معتضدة على ذلك ... فإن قلت : لم كرر قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ؟) قلت : ذكره أولا للدلالة على اختصاصه بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة ، ثم ذكره ثانيا بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل ، للدلالة على اختصاصه بالأمرين ، كأنه قال : لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين ، ولذلك قرن به قوله : (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل. (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، واختلافهم أنهم تركوا الإسلام ، وهو التوحيد والعدل» (١).
وهكذا ، فإن الزمخشري يستخدم كل مهاراته ومعرفته في اللغة والإعراب والقراءات والتفسير لإثبات أصول معتقده ، فهو يجعل التفسير تابعا لهذا المعتقد ، وإن أداه ذلك إلى صرف الكلام عن حقائقه بغير حجة أو برهان.
وقد ردّ ابن المنيّر على الزمخشري كلامه السابق ، فقال : «هذا تعريض بخروج أهل السّنّة من ربقة الإسلام ، بل تصريح ، وما ينقم منهم ألا أن صدقوا وعد الله عباده المكرمين على لسان نبيهم الكريم صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ، بأنهم يرون ربهم كالقمر ليلة البدر ، لا يضامّون في رؤيته ، ولأنهم وحّدوا الله حقّ توحيده ،
__________________
(١) الكشاف (١ / ٣٤٥ ، ٣٤٦).