مقابله ، وهذا من دقائق إيجازات البلاغة» (١).
١١ ـ وعند قوله تعالى : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ)(٢) ، فرّق الراغب بين الاستخبار والاستفهام (٣) ، فقال : «إن قيل : كان الوجه أن يقال : ألستم قد كفرتم؟ فلفظ الاستفهام في القرآن محمول على الإنكار ، والإنكار متى تجرّد عن حرف النفي ، يكون للنفي نحو قوله : (قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي)(٤) وإذا كان للإثبات قرن به حرف النفي؟ قيل : الألف في الأصل للاستخبار. والاستخبار أعم من الاستفهام ، وكلّ استفهام استخبار ، وليس كل استخبار استفهاما ، والمستخبر قد يقصد إلى أخذ إقرار المستخبر ، أو إلى إلجائه إلى الإقرار بما ينكره. وقوله : (أَكَفَرْتُمْ) استخبار على هذا الوجه ، وتقريع لهم ، وعلى ذلك قوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(٥).
١٢ ـ عند قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٦) ذكر الراغب وجها بلاغيّا لقوله : (كُنْتُمْ) بدلا من (أنتم) ، فأشار إلى «أن ما تشارك فيه الأصول الثلاث : الماضي والحال والمستقبل ، لا فرق بين أن تقول : كنت كذا أو أنت كذا ، لأن القصد ليس إلى تخصيص الزمان ، بل إلى ذكر ثبوت ذلك الشيء ، وأيّا من ذلك ذكرت ، فإنه لا يقتضي من حيث اللفظ نفي الآخر ، وإذا كان كذلك كان أولى
__________________
(١) الرسالة ص (٨٥٩).
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٣) انظر : الرسالة ص (٧٨٧ ، ٧٨٨).
(٤) سورة المائدة ، الآية : ١١٦.
(٥) سورة الشعراء ، الآية : ١٦٥.
(٦) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠.