قال ابن عرفة : تكذيبهم له حق واقع ، فإن عبر عنه بأن على جهة التلطف في العبارة ؛ لأن في خطابه التكذيب المعبر عنه بما يدل على وقوعه حقيقة إيحاش وجفاء وغلظة ، كما تقول لمن مات أخوه : إن أخاك شديد المرض فامض إليه.
قوله تعالى : (ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ).
ابن عرفة : منهم من قال الخطاب بذو أبلغ من اسم الفاعل ، ومنهم من عكس فحجة الأولين قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [سورة يوسف : ٧٦] ، وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [سورة البقرة : ٢٨٠] لأنه لو قيل : وفوق كل عالم عليم لم يكن فيه فائدة وإنما الفائدة في الإخبار بأن من يظن بلوغه النهي في الغاية في العلم فوقه من هو أعلم منه ، وكذلك ليس المراد بمن اتصف بمطلق الإعسار إنما المراد من به اعتبار [٣٢ / ١٥٨] متحقق ثابت فهو الذي قال بإنظاره.
وحمله الزمخشري على أنه ذو رحمة لمن أطاعه وعقابه لمن أجرم ، وحمله ابن عطية إلى أنه إشارة إلى إمهاله لهم وعدم معاجلته لهم بالعقوبة ، ثم أتى بقوله (وَلا يُرَدُّ) احتراسا خشية أن يتوهم أنه يرحمهم دائما فأفاد أنه سيعاقبهم بعد إمهالهم.
قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا).
السين إما للتحقيق والاستقبال ، والظاهر الأول ؛ لأنهم قالوا ذلك في الآية ، والآية تقديرها بإضمار مقدمة لا بد من تقديره أي : سيقولون إشراكنا مراد الله تعالى فهو غير فهي عنه ، وإشراكنا غير منهي عنه ، وقرره الزمخشري بمنع الصغرى جريا على مذهبه في أن الله تعالى لم يرد القبائح ، وتقديره على مذهب أهل السنة بمنع الكبرى ، ورد التكذيب إليها فيعارض من الإقرار لكن دليلنا نحن أنه لو كان راجعا إلى منع الصغرى لقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ) بتخفيف الذال من (كَذَبَ) وإنما التلاوة بتشديد الذال وهو تكذيب لا كذب إشارة إلى أنهم قالوا : وكل مراد الله غير منهي عنه ، وأخبر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بالنهي عن هذه الأشياء المحرمة على اليهود ، وبالنهي عن الميتة ، والدم المسفوح ، ولحم الخنزير فكذبوه فيما أخبر به ، وقالوا : كل مراد الله غير منهي عنه ، وقال الله تعالى (بِمِثْلِ) تكذيبهم يا محمد كذبت الأمم المتقدمة لأنبيائهم ، فإن قلت : قد قرئ في الشاذ كذب بالتخفيف ، قلنا : القراءة النادرة ليست معتبرة في الأمور الظنية فأحرا الاعتقادية.
قوله تعالى : (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا).