باب أخر ، قلت : وجه السؤال المتقدم أن ظاهر هذه الآية أن الأرض وما فيها خلقت مجتمعة في حالة واحدة ، وظاهر فصلت أنها خلقت مفرقة وجميعها هنا بحال فيقتضي الاجتماع في حالة واحدة ، فوقع النص على ما خلق هنا مجتمعا فقط.
قال أبو حيان : جميعا حال من الموصول ، أو ما أن مجتمعا وترادف كلامي العموم ، ولا يقدر الاجتماع في الزمان بخلاف جميعا وعدها ابن مالك من ألفاظ التأكيد.
قال : ونبه سيبويه على أنها منزلة بمعنى كل يعني واستعمالا واستشهد له أبو حيان بقول امرأة ترقص ولدها فلذلك حتى حولين جميعهم وجهان : وكل القحطانيين الأكرمون عدنان قال المختصم : فعلى رأيه يعرب جميعا هنا توكيد للمفعول به ونظيره ، قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [سورة الحجر : ٣٠].
قال ابن عصفور : فيها أن التأكيد بكل يقتضي الإحاطة ، والتأكيد بأجمع يقتضي الاجتماع في حالة واحدة.
ابن عرفة : وتقدم لنا الرد عليه ، أنه لو اقتضى الجمعية في الزمان للزم انتصابه على حال ، وكذا قال الزمخشري : في قوله تعالى : في سورة يس : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [سورة يس : ٣٢].
الزمخشري إن قلت : هذه الآية تقتضي تقدم خلق الأرض على خلق السماء ، وقوله تعالى : في النازعات : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [سورة النازعات : ٣٠] ، يقتضي تأخر الأرض عن السماء ، وأجيب : بأن دحوها وتزينها متأخر عن خلق السماء.
ورده القاضي العماد بأن هذه الآية تقتضي جميع ما في الأرض على خلق السماء وخلق الأرض متأخر عن دحوها وتسويتها بلا شك فيكون دحوها متقدما على خلق السموات فما زال السؤال ، وأوردوا ذلك في قوله في فصلت : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ، ثم قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [سورة فصلت : ١١] ، ولا جواب عنه : إلا أن تكون ثم للمهلة المعنوية ، وهي بعد ما بين المنزلتين.
قيل لابن عرفة : ويجاب بعكس ما قال الزمخشري : وهي أنه خلقت السموات والأرض ملتصقة ثم خلقت الأرض ودحيت ثم فصلت السموات وسيرت سبعا ، والله