ابن عرفة : ونقضوا هذا بقوله تعالى : وقالوا (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [سورة الفرقان : ٣٢] وتقدم الجواب عنه بما قال التلمساني : من أن اللفظ قد يدل على المعنى بظاهره ولا يظهر بخلافه في بعض الصور.
فإن قلت : ما الحكمة في تنجيه منجيا؟ ، قلنا : علله بعضهم بما في الآية (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [سورة الفرقان : ٣٢].
ابن عرفة : يدل عليه ؛ لأن من الجائز أن يثبت الله به فؤاده مع نزوله جملة واحدة ، قال : ويمكن تعليله بأن ذلك لا يظهر فيه كمال الدلالة على صدقه ؛ لأن العادة أن رسول الملك إذا كذب عليه إنما يكذب مرة واحدة ويبعد أن يكرر الكذب تغشية التفطن منه والعلم به ، فلو نزل عليه مرة واحدة لقويت التهمة في حقه فلما تكرر إنزاله مرارا كان ذلك ادعى لوجوب تصديقه.
قوله تعالى : (عَلى عَبْدِنا).
ولم يقل : على رسولنا تلبية على ما يقوله أهل السنة من أن الرسول من جنس البشر وعلى طبعهم ، وأن وصف الرسالة أمر اختص الله تعالى به من يشاء من عباده ، وليست في ذواتهم زيادة موجبة بوجه.
وقال القرطبي : إنما قال ذلك ؛ لأن العبودية تقتضي التذلل والخشوع ولا شك أن التذلل للبارئ جل وعلا هو أشرف الأنبياء.
قال ابن عرفة : يمنع ذلك بل وصف الرسالة أفضل منه فهلا قيل : مما نزلنا على رسولنا؟ ، وقال : إنما ذلك تنبيها على أنهم إذا داموا على مخالفته مع استحضار كونه عبدا فأحرى أن يدعوا على ذلك مع استحضار كونه رسولا من عند الله ، وقرئ : (مما نزلنا على عبادنا).
فإن قلت : إنما هم في ريب مما نزل على هذا فقط ، قلنا : الشك في المنزل على هذا شك في المنزل على من قبله ؛ لأن الكل رسل من عند الله يصدق بعضهم بعضا ، فالشك في أحدهم يشك في الجميع.
قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
قال ابن عرفة : الأكثرون في مثل نقله ووصفه وفصاحة معانيه ولا يعجزهم الذين خص الله به القرآن وبه وقع الإعجاز عنه الحذاق.