ابن عرفة : ومن قوله (مِنَ الطَّيِّبِ) يتبين لا لبيان الجنس مثل ما في الحديث : " لست من دد ولا دد مني (١) " فإن قلت : ما بعد الغاية مخالف لما قبلها فينتج الله ميز الخبيث من الطيب بترك المؤمنين على ما هم عليه من الاختلاط وهنا لا يصح.
ابن عرفة : ويجاب بأن الاختلاط أشكال معلقا بمعنى أنه لا يعلم المؤمنين من المنافقين ، واختلاط أشكال بوجه لا كما قد يجمعا مخلطا فيه الأبيض والأكحل والعفن والسالم تمييز الأبيض من الأسود ، فإنه لا يزال مسالمة مختلطا ببعضه فكذلك لا تميزهم خبيثهم من طيبهم بالمعرفة فيعلم الكافر من المؤمن ولا يزالون مختلطون بالمعاشرة والسكنى وغير ذلك.
قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) من للتبعيض ، قال الله : [٢٢/١٠٩ و](تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [سورة البقرة : ٢٥٣].
قوله تعالى : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
دليل على أن التقوى وصف زائد على الإيمان لقوله تعالى : (عَظِيمٌ).
قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
ابن عرفة : إن قلت : لم قال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) فعبر عن كفرهم بلفظ الماضي ثم قال هنا : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) فعبر عن بخلهم بلفظ المستقبل مع أن الكلام فيهم بعد وقوع البخل منهم والكفر ، فالجواب : إن الكفر متعلق بشيء وهو حجة الإله والرسول فإذا اعتقد هذا كان كافرا ودوامه عليه بقاء لا يجدد ، والبخل له متعلقات متعددة ؛ لأنه يبخل بكذا ويبخل بكذا ، ولا يسمى بخيلا حتى تتعدد متعلقات بخله وتتكرر منه بخلاف الكفر ؛ لأنه باعتقاده له أول مرة يسمى كافرا ، فإذا دام عليه فهو بقاء لا تجديد ، قال ابن عطية : وعن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " ما من ذي رحم يأتي رحمه فيسأله من فضل ما عنده فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع من نار يلتطمه حتى يطوقه".
ابن عرفة : فحمله عندنا على من يجب عليه نفقته من الأقارب ، أو حيث تجب المساواة وذلك عند الضرورة الملحقة ، لكن يستوي في هذا القريب والبعيد إلا أن
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : ١٩٣٧٩.