قال ابن عرفة : لما قتل مرجوحية القتل في سبيل الله بقوله تعالى : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) عقبة ببيان راجية على الموت من غير قتل.
قوله تعالى : (أَوْ مُتُّمْ).
إما أنه فيه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه ، أي (أَوْ مُتُّمْ) في سبيل الله ، أو هو كما قال ابن بشير في كتاب الطهارة في التيمم : [٢١/١٠٦ و] ، إن الأصوليين اختلفوا في العطف هل يقتضي التشريك في المعنى كما تقتضيه في الإعراب أم لا؟ وتقدم بيانه في هذه السورة في قوله تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) وأشارا إليه ابن التلمساني : في المسألة الرابعة من الباب الثالث في العطف على العام ، هل يفيد العموم ، أم لا؟ قال ابن عرفة : والقراءة على ثلاثة أنواع ، فواحد يموت قبل حضور القتال ، فهذا قال في المدونة لا يسهم له فلو لم يذكر في الآية لما توهم أنه لا يلحق برتبة الشهداء ؛ لأن الأول لا يسهم له في الغنيمة ، والثاني : يغسل ويصلى عليه بخلاف الميت في معركة القتال ، فذلك قال تعالى : (أَوْ مُتُّمْ) ليتناول هذين النوعين.
قوله تعالى : (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ).
قال مغفرة نكرة ، والتنكير للتعظيم ، ولا سيما مع قوله تعالى : (مِنَ اللهِ) حسبما نبه الزمخشري عليه في قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) [سورة البقرة : ١٢٧] فإن قلت : ما فائدة قوله تعالى : (وَرَحْمَةٌ) بعد ذكر المغفرة؟ إن الرحمة سبب في المغفرة فهلا قدمت عليها ، أو لم تذكر من أصل ، قلنا : المغفرة هي نعمة ، وهي رفع الأمور المؤلمة ، فالرحمة تعم الجلب والدفع ، فالرحمة بالثواب ومحو السيئات ، والمغفرة تقتضي محو السيئات فقط ، فكان العطف تأسيسا.
قوله تعالى : (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
قرئ بياء الخطاب وبياء الغيبة.
ابن عرفة : فعلى قراءة الغيبة يكون خير فعلا ، ولا مشاركة فيها ، وعلى قراءة الخطاب يكون للمؤمنين فهي أفعل من ؛ لأن موتهم في القتال أخير وأحسن من جمعهم فيه أنفقاه في السبيل في التصدق بها ؛ لأنها أحسن من جميع المال لإنفاقه في شهوات الدنيا ولذاتها ، فإن قلت : كلف بها من مات ، قلنا : هي حكاية حال ماضية ، أي خير من جمعهم المال عاشوا وجمعوه ، ثم لما كان الموت بغير القتل أكثر منه بالقتل ، وكان الخير يعم الجميع بالأعم ، ليرتب عليه الوصف العام.