وكذلك قال القرافي : أنه يسمى عملا ، ولا يسمى فعلا ، ولذلك قال الفخر : في قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم" إنما الأعمال بالنيات (١) " أجمعوا على أنه يشتق من ذلك شيئان ، النيه والنظر ، قالوا : وأما ما مصدرية ، أو موصولة بمعنى الذي.
ابن عرفة : والظاهر أنها مصدرية لأنه أبلغ في كمال علم الله تعالى ، لاقتضاء ، إنها تعلقت بالمعاني ، وأن العقوبة إنما هي على نفس العمل لا على متعلق العمل.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ).
قيل لابن عرفة : قلتم إن الاستفهام هذا للإنكار والتوبيخ ، وأنه يتنزل منزلة النفي ، ونفي الأعم يستلزم نفي الأخص ، والتوبيخ على الأدنى يستلزم التوبيخ على ما فوقه ، فوبخوا أولا على معصية قاصرة وهو كفرهم في أنفسهم ، فلا فائدة في توبيخهم على تسببهم في كفر غيرهم ، فقال : التوبيخ هنا مسود بالنفي عليهم بأفعالهم القبيحة ، ولا شك أن قولك للشخص : لم تسرق أخف من قولك : لم تسرق وتزني ، لأن الثاني أبلغ في القبح.
قوله تعالى : (تَبْغُونَها عِوَجاً).
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف (تَبْغُونَها عِوَجاً) وهو محال.
قال ابن عرفة : ليس محال بوجه ، لأنه إما أن يريد أنه محال في نفس الأمر ، فاعوجاجه محال ، وإن أراد في اعتقادهم فالواقع خلافه ؛ لأنهم قد لبسوا على بعض المؤمنين ، وحسبوا فليس بمحال بوجه إلا أن يريد أن كفرهم عنادا فهم يعتقدون حقيقة ذلك ، ويطلبون العوج فيه.
قيل لابن عرفة : لعله يريد إن كان الاعوجاج عندهم حاصلا فطلبهم له تحصيل الحاصل ، وإن كان غير حاصل فهو محال لا يصح طلبه ، فقال ابن عرفة : يمنح ذلك بل هو غير حاصل ، وهو ممكن الحصول عندهم ، وفي اعتقادهم فطلبه ليس محال ، ثم أجاب الزمخشري : عن السؤال بجوابين.
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه : ١ ، وأبو داود السجستاني في سننه : ١٨٨٦ ، وابن ماجه في سننه : ٤٢٢٥ ، والبيهقي في السنن الصغير : ١٦٨٢ ، والبيهقي في السنن الكبرى : ١٣٩١٤ ، والحميدي في مسنده : ٣٠ ، والشهاب القضاعي في الشهاب في الحكم والآداب : ١٠٨٤ ، والربيع بن حبيب في مسنده : ٢ ، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء : ١١٥١٦.