قوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ).
ابن عرفة : الظاهر أن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها لدخول الفاء فيها ، قال : وفي الآية تخفيف وإشهار لسيفه ـ رحمهالله تعالى ـ بوجهين :
أحدهما : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) فيها إشارة إلى العفو فمن ناب من هؤلاء اليهود بخبر هذا الإقرار ، ورجع عن مقالته بتحريم ما حرموه ، وإنما ينال هذا الوعيد من دام على ذلك من بعد هذا البيان المقتضي لتحليل كل الطعام.
الثاني : تعريف الكذب ، ولم يقل كذبا فهو الوعيد خاصا بمن افترى كذبا خاصا ، وهو الكذب على الله في أن ينسب إليه تحريم ما حرمه ، أي فمن افترى على الله بعد هذا البيان ، ذلك الكذب المتقدم منهم قبل هذا البيان.
قوله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللهُ).
ابن عرفة : الظاهر أنه خطاب للنبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولكل مؤمن ؛ لأن هذه أمور واضحة ظاهرة لكل مؤمن ، وقوله : (صَدَقَ اللهُ) على حذف مضاف ، أي صدق رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [سورة الفتح : ١٠] لأنهم ما ادعوا قط نسبة الكذب إلى الله.
قيل لابن عرفة : وكيف يخبر النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم بالصدق عن نفسه؟ فقال : هذا شبيه من يدعي دعوى ثم يدعي عليها بمقدمتين ، ثم يقول فقولوا كذا وكذا أحق ؛ لأن الخصم إذا سلم له المقدمتين فقد وافقه على صحة النتيجة.
قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ).
الأول قيل : هو الذي لم يسبقه بشيء ، وقيل : هو السابق غيره ، قال الفخر : فلو قال أول عبدا ستريه من هذين حرفا ستراهما معا ، وقال في المدونة في كتاب العتق إذا قال لأمته أول ولد تلديه حر فولدت توأمين ، أنه يعتق الأول منهما ، فإن قال أول ولد تضعيه فوضعت توأمين أنهما يعتقان.
قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ).
ابن عرفة : أي علامات على ما بين من كونه (مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) والظاهر أن المقام إبراهيم ما منح الله تعالى البيت من أن إبراهيم دعا فيه فأستجيب ، ونفى