قيل لابن عرفة : هذا أبلغ من لو قيل : فكتب عليهم القتال فتولوا ؛ لأن قولك : لما قام زيد قام عمرو أبلغ من قولك : قام زيد فقام عمرو ولاقتضائه تحقيق السببية والارتباط.
ابن عرفة : ويحتمل أن يكون تقدم سؤالهم سببا في وجوب القتال عليهم ، وكان قبل ذلك تطوعا كقضية بني إسرائيل في البقرة.
قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ).
إن قلت : لم أضاف هنا إليهم ولم يضفه في : (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) ، قلنا : إنما أضافه هنا ؛ لأنه في مقام التبليغ لهم بخلاف الأول ، فإنه حكاية عن مقاتلتهم التي لم يوفوا بها وعصوا ، وقدم المجرور ؛ لأنهم المقصودون بالذكر ، ابن عطية ، عن وهب بن منبه : لما سأل شمويل نبي الله تعالى أن يبعث لهم ملكا ونزله عليهم ، قال تعالى : .... (١) انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فسرا الدهن الذي فيه ، فهو ملك لبني إسرائيل.
ابن عرفة : سرا أي علا وارتفع ، وهذا الخبر إن صح وإلا فما يكون فسره في قوله : (بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) إلا مجرد الرجاء ، فإن قلت : قد حرف تحقيق حسبما ذكره الزمخشري في قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة المؤمنون : ١] وبنوا إسرائيل لم يكونوا قط متوقعين بأمر طالوت عليهم ، [١٥/٦٩] فالجواب : أنهم كانوا متوقعين البعثة على الإطلاق لا من حيث تعلقها بشخص معين ، الزمخشري : طالوت إن كان من الطول فوزانه خطوت إلا أن امتناع صرفه يمنع أن يكون منه ، إلا أن يقال : هو اسم عبراني وافق عربيا كما وافق بحنطا حنطة ، وبسمالاها رحمانا رحيما (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [سورة الفاتحة : ١].
قال ابن عرفة : واستدلوا على مرجوحية ملكه بالأصل ؛ لأنه ليس في آياته ولا نبي فهو أحق منه ، وبالعادة ؛ لأن الأمير باعتبار العادة لا بد أن يكون غنيا عن غيره ، ولا يكون فقيرا أصلا ، وغالطوا فأتوا بدليل ظاهره صواب يمكن قبوله ، فقالوا : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ) ، وعدلوا عن أن يقولوا : ولم يؤت شيئا من المال لئلا يرمي دليلهم في وجوههم ، فيقال لهم : قد أوتي بعض المال ، وإن قل مع أن طالوت لم يكن
__________________
(١) لم يورد المصنف نص الآية ، ولكن أثبت شرحها.