ابن عرفة : فإن قلت : هلا قيل : فإمساك بإحسان أو تسريح بمعروف ، وهذا السؤال مذكور في أحسن الائتلاف ، فقال : فعادتهم يجيبون : بأن المعروف أخف من الإحسان ؛ لأن المعروف حسن العشرة وإلزام حقوق الزوجية ، والإحسان أن لا يظلمها شيئا من حقها فيقتضي الإعطاء ، وبذل المال أشق على النفوس من حسن العشرة ، فعد المعروف مع الإمساك المقتضي لدوام العصمة إذ لا يضر تكرره ، وجعل الإحسان المشق على النفوس مقرا بتسريح الذي لا يتكرر هو مرة أو مرتين أو ثلاثا فقط ، ونقل ابن يونس ، عن ابن عمر : أن هذه الآية ما زالت يكتبها المؤلفون في الصدقات ، قال : وكان الشيخ القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد السّلام ينكر على أهل زماننا كتبها في العرفان إذ لا يذكر في عقد النكاح ألا يلائمه ويناسبه ، وأما الطلاق ففي ذكره فيه تفاؤل ومناقصة للنكاح ، ولذا تجد بعضهم [٦٤ و] يقول : من الإمساك بالمعروف أو المعاشرة بالإحسان فيأول اللفظ أبو حيان : (فَإِمْساكٌ) إما خبر أي فالواجب إمساك ، وإما مبتدأ خبره مقدر ما قبله : فعليكم إمساك أو بعده ، أي : فإمساك عليكم.
ابن عرفة : سببه إن بمعروف إذا كان صفة لإمساك قدر الخبر مؤخرا ، وإن كان متعلقا قدر مقدما لأن المبتدأ نكرة.
قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً).
ابن عرفة : إن أريد تأكيد التحريم يقال : لا يحل كذا ، وإن أريد مطلق التحريم يقال : لا تفعل كذا لاحتماله الكراهة ، وكذلك المفتي ما يقول : لا يحل كذا إلا فيما قوي دليل تحريمه عنده ، أما ما دون ذلك ، فيقول : لا تفعل أو لا ينبغي لك أن تفعل كذا.
قوله تعالى : (مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً).
قال أبو حيان : حذف العائد على ما ؛ لأنه المفعول الأول للفعل ، وهو ضمير نصب متصل ، والثاني كذلك وتقديره فيما آتيتموهن هذا نص أبي حيان : أن آتيتم يتعدى إلى مفعولين حذف أحدهما وهو العائد على ما تقديره آتيتموهن إياه ، قال السفاقسي : فيه نظر ؛ لأنهم نصوا على أن الضمير المنصوب لا يجوز حذفه ولا يجوز اجتماع ضميري نصب منفصلين ، قال بعض الطلبة : إنما ذلك إذ ارتفعا في الإفراد والتثنية والجمع ، أما إذا كان أحدهما مفردا والآخر مجموعا فنص سيبويه على جوازه ، وقال بعض الطلبة : بل ضعفه ابن مالك خبرا.