إما تهييج على الاتصاف بالتقوى فلذلك قال : (فَوْقَهُمْ) ، وإما تنبيه على تفاوت درجاتهم ، وإما أن تكون التقوى والإيمان بمعنى واحد.
قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ).
دليل على أن النبي أعم من الرسول ، بناء على أن الحكم المستند إلى مشتق أو موصوف بصفة يقتضي ثبوت الحكم ، فيقتضي ورود البعث عليهم حال حصول النبوة ، فلو كان النبي والرسول بمعنى واحد للزم تحصيل الحاصل ، وقيل : الرسول أعم ، حكاه الغزالي في الاقتضاء ، وابن العربي ، وقال ابن الصلاح : اختلف المحدثون في جواز نقل الحديث بالمعنى ، فقيل : يجوز ، وقيل : لا يجوز ، وقيل : إن بدل اسم الرسول بالنبي جاز بخلاف العكس.
قال ابن عرفة : الآية دالة على الجمع المحلى بالألف واللام لا يفيد العموم ، إذ ليس كل نبي مبعوث وبدأ بالبشارة ، لأن رحمته سبقت غضبه.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ).
قيل لابن عرفة : فهلا قيل : أنزل عليهم الكتاب كما في سورة النساء : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [سورة النساء : ١١٣] ، (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [سورة النساء : ١٠٥] لأنك تقول : قام زيد مع عمرو فيقتضي اشتراكهما في القيام ، والرسل ليسوا منزلين مع الكتاب.
ابن عرفة : المراد أنزل مع بعثهم ، والإنزال مصاحب للبعث ولا اشتراك بينهما ؛ لأنه معنوي لا يمكن إنزاله ، وهم من أول بعثهم إلى آخره لا يزال الكتاب منزلا عليهم حتى قيل له : هذا كله مجاز ، فلم عدل عن الحقيقة إليه ، قلت : وحمله ابن القصار على أمرين :
أحدها : أن بشر ب أنزل معنى البعث أن الكتاب مبعوث مع الرسل ، فيفيد لفظ الإنزال شرف الرسل وقومهم بالكتاب الشريف المنزل من أشرف الجهات وهي جهة فوق ، ويفيد معنى البعث أن الكتاب مبعوث مع الرسل لقومهم اعتناء بهم وتأكيد امتثال أوامره ونواهيه.
الثاني : أن يجعل معهم حالا من الكتاب ، وقدمت عليه الاهتمام بالمصاحبة ، فإن قلت : الكتاب حين إنزاله لم يكن معهم ، قلنا : هي حال مقدرة لا محصلة الآية