قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى).
كما قيل : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [سورة البقرة : ١٥٩] ، (أُولئِكَ كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [سورة المجادلة : ٢٢] فهل هو للحصر؟ فأجاب ابن عرفة بأنه ليس للحصر بل
للتحقيق أي هم جديرون وحقيقون بأن يقال فيهم هذه المقالة وهم أحق بها من غيرهم.
ابن عرفة : وفي
كتاب الوصايا من المدونة إذا أوصى لعبد فلان لرجل ثم أوصى به لرجل آخر فهو بينهما
نصفين ، وإن قال عبدي الذي كنت أوصيت به لفلان هو لفلان فذلك رجوع عن الوصية
الأولى ويختص بالثاني.
قال ابن عرفة :
وقوله : (اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ بِالْهُدى) راجع لتصور حالهم في الدنيا ، وقوله : (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) راجع لتصور حالهم في الآخرة ، وهذا كما قال ابن عطية
لما كان العذاب تابعا للضلالة والمغفرة تابعة للهدى : أدخل في حيز الشر ، أو لما
كانوا متمكنين من الإيمان فبالكفر جعلوا كأنهم حصلوا الإيمان ثم باعوه بالكفر ،
وتقدم لابن عطية في أول البقرة الاستدلال بهذا على أن من خير بين شيئين يعد
منتقلا.
قيل لابن عرفة
: إنما فيها الاحتجاج لمن يقول : أن من ملك أن يملك يعد مالكا ، فقال : تلك قاعدة
مختلف فيها والصحيح بطلانها ، وهي قاعدة صحيحة دلت عليها آخر مسألة من كتاب الخيار
في المدونة.
قيل لابن عرفة
: ليسوا مخيرين بنفي الإيمان والكفر ، فقال : لما كانوا متمكنين منهما فكانوا
مخيرين بينهما ، قال : وإنما أفرد المغفرة إشارة إلى مغفرة منه واحدة تكفي في رفع
العذاب عنهم ، وإن تعدد ، وهذا دليل على أن التوبة من الكفر قطعية وإنها تجب ما
قبلها ، قال تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [سورة الأنفال : ٣٨].
قوله تعالى : (أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ).
لما عملوا من
عمل من وطن عليها أي ما أجرأهم على النار ، وحكي عن المقتضب للمبرد : أنه تقرير
واستفهام ، من ذلك : فلان مصبور أي محبوس أي ما أشد حبسهم في النار أو ما حبسهم في
النار.