يكون الدعاء والنداء المسموعين له ، وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) يدل على أنه لا يسمع شيئا يوجه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ).
تقرير مناسبتها لما قبلها أنه لما تضمن الكلام السابق ذم المشركين لكونهم ليسوا أهلا لأن يخاطبوا بشيء من الأخبار ولا بشيء من الأوامر والنواهي ، عقب ذلك خطاب المؤمنين بهذا الأمر المستلزم لكونهم أهلا للمخاطبة ، وقرر الفخر مناسبتها بوجه لا ينهض ، والأمر بقوله : (كُلُوا) إما للامتنان وللإباحة ، ابن عطية : الطيب هنا الحلال المستلذ والآية تسير بتبعيض من إلى أن الحرام رزق.
ابن عرفة : وجه دلالتها على ذلك من المفهوم لأن مفهومه أن البعض الآخر وهو الذي ليس بحلال ولا مستلذ غير ما دون فيه.
ابن عرفة : وعادتهم يوردونها سواء وهو له ، قال في الآية الأخرى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) [سورة المؤمنون : ٥١] ولم يقل : (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) مع أن تلك خطاب للرسل ، فهو كان يكون أولى بهذا اللفظ ، وعادتهم يجيبون بوجهين : الأول : ما إذا قلنا : أن الرزق لا يطلق إلا على الحلال ، فتقول : ما كان الأنبياء معصومون أمروا أمرا مطلقا من غير تعيين الحلال وغيرهم ليس بمعصوم فقيد الإذن في الأكل بالحلال فقط ، فيكون الطيب على هذا المراد به المستلذ.
فالجواب الثاني : أن الرسل في مقام كمال التوحيد ونسبة كل شيء إلى الله تعالى ، وأما غيرهم [٤/١٠] فليس كذلك فقد يذهل حين انقطاع الثمرة ويظن أنها من الشجرة ويغفل عن كون الله تعالى هو الذي أخرجها منها وأنبتها ، فقيل لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) حتى يعتقدوا حين التناول أن ذلك الرزق كله من عند الله وليس للسبب فيه صنع بوجه.
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ).
إن الدم المسفوح جنس بإجماع ، وكذلك الجزار من نحر الشاة بعد سلخها والدم الذي يبقى في العروق طاهر بإجماع وما انتشر على العروق ، وفاعل اللحم ففيه قولان والمشهور أنه طاهر كذا قاله اللخمي وغيره ، و (الْمَيْتَةَ) هي كل ما زهقت روحه بغير زكاة من الحيوان المفتقر للزكاة شرعا ، إن قلت : هل قيل : إنما حرم عليكم لحم الميتة كما قال : (وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ؟) ، فالجواب أن الخنزير غير مقدور عليه إلا بالاصطياد