أبين ، والآية اقتضت الاستدلال بحدوث العالم على وحدانية الصانع ، فأجيب بوجهين : فالأول : قال ابن عرفة : الآية خطاب لقريش وهم مقرون بأن المؤثر واحد ، والشركاء غير مؤثرين في الاستدلال بالآية مع صحيحة اعتقاد أن المؤثر واحد استدل بها على أنه موجود.
الجواب الثاني : أنها دليل على أن هذه الأشياء لها فاعل مؤثر ، وقد دل الدليل العقلي على منع اجتماع مؤثرين على أثر واحد ، فصح بالآية وجود الصانع ووحدانيته.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً).
ابن عطية : ذكر الله تعالى الوحدانية ثم الآية الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون واحدا ، ثم ذكر الجاحدين للصانع تعجبا من ضلالهم بعد هذه الآية ، ابن عطية : ويحتمل أن يكون ذكر هذه الآية توطينا وتسكينا للنبي ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لئلا يطمع في إيمانهم وتتعلق نفسه بذلك ، كما قال الله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [سورة الكهف : ٦] فأخبره بعدم إيمان بعضهم حتى لا يناله حزن ولا علم بوجه.
ابن عرفة : ومن في قوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) لابتداء الغاية والنهاية حتى تعم في جميع وجوه الزور ويفيد كثرة تلك الوجوه.
قوله تعالى : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ).
ابن عرفة : إن قلت : إنما كانوا يعبدونهم ، والعبادة أخص من المحبة لأن الواحد منا يحب ولده وأباه وأمه ولا يعبدهم فهلا قيل : يعبدونهم ، فأجاب ابن عرفة بوجهين :
الأول : أنه منهم على الوصف الأعم وهو المحبة ليفيد الذم على الأخص وهو الآخر لعباده من باب آخر.
الثاني : أنه قول عن لفظة العبادة استعظاما له واستحقارا للأصنام أن ينسب إليهم العبادة.
قيل لابن عرفة : هذه الآية تدل على أن ارتباط الدليل بالمدلول لا غير ؛ لأن هؤلاء نظروا فلم يؤمنوا ، فقال : لعلهم لم ينظروا أو نظروا فلم يهتدوا للعثور على الوجه الذي منه يدل الدليل ، قال : وهما مسألتان في أصول الدين : مسألة تخلف العلم مع الفكر