ابن عطية : فهي رد على الجبرية القائلين : بأن العبد لا قدرة له ، وأنه كالميت بين يدي القاتل ، زاد القرطبي : إن فيها ردا على المعتزلة ، بأن العبد يستقل بفعله ؛ لأن الآية دلت على الكسب لا على الخلق والاختراع.
ابن عرفة : إن كان الكسب في اللغة هو الذي اصطلح عليه المتكلمون ، فما قال حق وإلا لم يتم له ذلك.
قوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ).
فيه حذف ، أي ولا يسألون هم عما أنتم تعملون ، قال أبو حيان : لها ما كسبت ، يجوز أن يكون حالا من الضمير في خلت ، ويضعفه عطفه (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) عليه ؛ لأنها تكون حالا ، وعطف الحال على الحال يوجب اتحاد الزمان استقرار لكلام مختلف ، وأجاب ابن عرفة : بكون الثانية حالا مقدرة مثل مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي قد خلت حالة كون كسب ، وحالة كون لكم بعدها بالكسب على تقدير اكتسابه.
قوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا).
قال ابن عرفة : هذا قياس استثنائي في كلامهم فيهم استثناء غير المقدم ، فينتج غير التالي ، وينفي الثاني لانتفاء الأول ، أي إن لم تكونوا هودا لم تهتدوا ، ولكنكم لستم بهود فلستم بمهتدين ، وقاعدة الأصوليين استثناء غير التالي ، حسبما نص عليه التلمساني في كتاب القياس فهي تزكية ، إن لم يهتدوا يكونوا هودا ، وليس هو مرادهم أن الهداية لازمة لدين اليهودية ، والجواب أنهما شق سواء ، إذا انتفى أحدها لزم منه انتفاء الآخر ، والإضراب مثل إبطال ، فإن قلت : هلا قيل : وما كان مشتركا فهو الأخص ، لأن نفي الأعم أخص من نفي الأخص ، لأنه يستلزم نفي الأخص ، فالجواب أن النفي ورد على وفق دعواهم ، وهم ما ادعوا لا أنهم متبعون له ، وأنه كان على دينهم وهم مشركون كقولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [سورة التوبة : ٣٠](الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [سورة التوبة : ٣٠] وادعائهم التجسيم والخطاب (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) لجميع الناس خوطب به كل واحد على حدته ، وهو أول من جعله خطابا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، لأنه مقابل لقول اتباع موسى عيسى مقابلون بقول اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ).