قال ابن عرفة : والغضب إن كان صفة فعل فالتعدد فيه متصور صحيح ، وإن كان صفة معنى امتنع فيه التعدد لأنه راجع إلى الإرادة ، وهي شيء واحد فكيف يفهم أنهما غضبان ، ثم أجاب بأنهما متغايران باعتبار المتعلق ، فمتعلق الإرادة متعدد ، وهو أنواع العذاب ، فالمعنى على الأول فباءوا بعذاب على عذاب ، وعلى الثاني : فباءوا بإرادة عذاب على عذاب ، وأوقع الظاهر موقع المضمر في قوله : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) ، ولم يقل : ولهم عذاب مهين مبالغة في إسناد العذاب على كل من اتصف بالكفر بالإطلاق.
قوله تعالى : (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ).
إما معطوف على (قالُوا أَنُؤْمِنُ) [سورة البقرة : ١٣] فيكون جوابا أي : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ وَيَكْفُرُونَ بِما) وراء كتابهم ، وإما حال مع أن المضارع لا يأتي حالا بالواو إلا قليلا ، لكنه هنا على إضمار المبتدأ ، أي وهم (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) وأخبر الله تعالى عن تناقضهم فإن إيمانهم بكتابهم يستلزم إيمانهم بما سواه من الكتب التي من جملتها القرآن ، وكفرهم بالقرآن يستلزم كفرهم بكتابهم المنزل عليهم لأن الكتب كلها يصدق بعضها بعضا.
قوله تعالى : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ).
قال أبو حيان : (مُصَدِّقاً) حال مؤكدة ، وقال ابن عرفة : بل مبينة ، لأن الحق قد يكون مصدقا لما معهم ، وقد لا يكون مصدقا لما معهم ولا مكذبا لأن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أتى بشرائع بعضها في كتابهم وبعضها ليس موجودا في كتابهم بوجه ، فكتابنا حق ومصدق لما في كتابهم بالنسبة إلى ما تكرر في الكتابين ، وليس بمصدق ولا مكذب بالنسبة إلى ما زاد به على كتابهم ، وإما أنه مكذب فلا لأن كلا الكتابين حق ، فليس من لوازم كون القرآن حقا أن يصدق ما معهم إنما من لوازمه أن لا يكذبه لأن الحق لا يكذب الحق.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ).
إن قلت : لم أقسم على مجيئه لهم بالبينات وهم موافقون عليه وإنما يتوهم مخالفتهم في اتخاذهم العجل فقط ، فهلا قيل : ولقد اتخذتم العجل من بعد ما جائكم موسى بالبينات؟ فالجواب أنه ظهرت عليهم محائل الإنكار لمجيئه لهم بالبينات بسبب اتخاذهم العجل فلذلك عطفه عليه بياء النسبة الموجب للقسم.