من حيث الصفة في كتابهم فقط من غير مقيمة إلى ذلك وفي كتاب اللفظة ، وإذا وصل كتاب القاضي إلى قاض آخر ، وثبت عنده بشاهدين ، فإن كان الفعل موافقا لما في كتاب القاضي من صفته ، وخاتم القاضي في عنقه ، لم يكلف الذي جاء به أن يقيم ببينة إن هذا الفعل الذي يحكم به عليه.
قوله تعالى : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).
ابن عرفة : انظر هل هذا إنشاء ، أو إخبار بقول متقدم ، ثم قال : لا يبعد أن يكون إنشاء وتكون اللعنة مقولة بالتشكيك والتفاوت لأن هؤلاء كفروا وهم جاهلون إذا بنينا على أن ذلك استقرار منهم وهؤلاء كفروا بعد علمهم ، ومجيء الكتاب لهم فاللعنة في حقهم أشد.
قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا).
وقال ابن عرفة : نص النحويون على أن اسم الممدوح في نعم المذموم في بئس لا يكون أخص من فاعلها ، أو مساويا ولا يكون أعم منه ، والشراء والكفر بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه ، فالشراء يطلق على المعاوضة في غير الكفر وعلى المعاوضة في الكفر ، والكفر أيضا أعم من وجه ، لأن من كفر بعد أن آمن أشترى ، الكفر بعد الإيمان ، ومن كان كافرا بالأصالة لم يشتر شيئا بشيء.
قوله تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ).
أي : رجعوا ، ومنه قولهم : بؤ بشسع نعل كليب أي ارجع موقيا لشسع نعل كليب ، وهو من كلام مهلهل أخي كليب ، قالها في حرب وأحسن لما قيل : إذا فظن أن كليبا أخاه أحسن قنع به في أخيه ، فإظهاره لذلك فبلغ ذلك كليبا ، فقال : بؤ بشسع نعل كليب وكان الحارث قد ترك قتل كليب بقتالهم ، فلما سمع [٦/٣٢] ذلك أقبل يقاتلهم ، وبقوا لذلك أربعين سنة حتى قتل مهلهل فمعناه : أنت لا توافي إلا بشسع نعل كليب وهو شراك نعله.
قال ابن عرفة : وتنكير الغضب يدل على أن الغضب الثاني غير الأول ، كما قالوا في قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [سورة الشرح : ٥] لن يغلب عسر يسرين ، ووجهوه بأن العسر معرف فكان شيئا واحدا ، واليسر منكر فكان يسرين ، قال : وإنما قال : (عَلى غَضَبٍ) ، ولم يقل : بعد غضب إشعارا بشره أنه مجتمع متراكما بعضه على بعض.