إن كانت الإشارة إلى المشار إليه أولا فهو من التعليل جملتين فأكثر فجيء فيه تعداد العلل ، والعلل الشرعية تصح تعددها مطلقا وكذلك العقلية تعدد لكن بالنوع لا بالشخص ، وإن كانت الإشارة إلى العلة الأولى فيكون من تعليل المعصية بمعصية أخرى فإن قلت : إذا كانا علتين فهلا عطف بالواو ولم يكرر اسم الإشارة فكان يقال : (بِما عَصَوْا) فالجواب لعله إشارة إلى أن كل واحد منهما علة مستقلة فحسن التعليل بها ، فإن قلت : لم أكدت الأولى دون الثانية بأن قلنا لغرابة القتل وعدم تكرره وبخلاف المعصية والاعتداء فإنه يكثر بتكرره ويتجدد شيئا فشيئا .... (١) لا يدعها أحد قال الطيبي : على أن القتل والاعتداء علتين لكون الباء الأولى للمصاحبة بمعنى مع ، والثانية للسبب وفيه تأخير ، أي ذلك بكفرهم وعميانهم تبع قتلهم النبيين بغير الحق.
ابن عرفة : الصواب أنهما للسبب مطلقا ولا يحتاج إلى تقديم ولا إلى تأخير.
قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
بدل من الذين آمنوا وما عطف عليه فيجيء فيه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه ؛ لأن المؤمنين خلصوا الإيمان ، فقوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) مجازا في حقهم عبر به عن المداومة على الإيمان ..... (٢) يؤمنون بمحمد صلىاللهعليهوسلم وإن فهم لم يؤمنوا فلا لآمن ملة نيتهم الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وإن لم يؤمنوا فلا يومنوا بملتهم قط ، [٥/٢٦] قوله تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً) فيمن تخترمه المنية.
قوله تعالى : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
هذا ثواب تفضل وسماه أجرا إشعارا بتأكده حتى كأنه واجب كأجرة الأجير على عمله.
قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
عبر عن الخوف بالاسم ، وعن الحزن بالفعل ؛ لأن الخوف يتعلق بالماضي وبذكر الإنسان للأمر المستقبل وتألمه منه وخوفه أشد من تألمه من الماضي ؛ لأن الماضي
__________________
(١) بياض في المخطوطة.
(٢) طمس في المخطوطة.