قوله تعالى : (مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها).
قيل لابن عرفة : هل هذا ترق بدأوا بالبقل ثم بالفوم وهو القمح فقال : بعد بقوله وبصلها فهو في هذا تدل.
قوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).
قال ابن عرفة : كان الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد السّلام ، يقول : إن هؤلاء لم يطلبوا بدلا عن طعامهم بل زيادة عليه ، لقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) ولم يقولوا : لم نحب هذا الطعام فكيف أنكر عليهم استبداله؟ ، قال : وتقدم الجواب عنه بأنهم إذا أكلوا من الطعام الذي طلبوه فإنه ينقص أكلهم من الطعام الأول بقدر ما أكلوا من هذا فقد حصلت المبادلة في ذلك المقدار ، فمن كان يأكل رطبا من (الْمَنَّ وَالسَّلْوى) قبل ذلك يصبر لأن يأكل منها نصف رطل ، وأقل نعم إنهم مجتمعون في ملك واحد كل منهما على انفراده ، فقال : وكذلك أيضا يأكل من البصل إذا عقد وصنع جميعها أو نحوه كثيرا.
قيل لابن عرفة : أو يجاب بأنهم طلبوا النقلة من ذلك الموضع إلى موضع ينبت فيه البقل والقثاء والفوم وما قام الدليل على أن ذلك الموضع المنتقل إليه ينزل عليهم المن والسلوى فكأنهم طلبوا الاستبدال ، فقال ابن عطية : هذا صحيح لو كان ذلك من كلامهم فإن (اهْبِطُوا مِصْراً) من كلام موسى عن الله تعالى ، فالذم إنما هو على طلبهم الاستبدال وطلب الاستبدال للشيء من كلامهم هؤلاء لازم قولهم ؛ لأن تلك العادة الأرض لم تجر العادة بإنباتها تلك الأشياء فطلبهم تلك الأشياء يستلزم طلبهم النقلة منها إلى أرض تنبتها ولا ينزل فيها المن والسلوى والذم أقام على سؤالهم ليس بنص في أنهم طلبوا الزيادة بل هو ظاهر في ذلك فقط ، والجواب نص في طلبهم الاستبدال ، وعبروا بلفظ يحتمله احتمالا مرجوحا وهما ينافيه ، ومعنى كلامهم (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) ، بل نرجع إلى ........ (١) لابن عرفة فسياق الآية يقتضي أنه فيه دناءة قليلة مع أنه خير كله ، فقال : لا يريد الذي هو أدنى من طعامكم هذا بل يريد الذي هو أدنى بالإطلاق وليس في (الْمَنَّ وَالسَّلْوى) دناءة ، قال القرطبي : يؤخذ من الآية تفضيل المستدلات الدنيوية ، وأنها مباحة راجحة ليس فيها
__________________
(١) طمس في المخطوطة.