الْقَرْيَةَ وَكُلُوا) [سورة الأعراف : ١٦١] ، قلت : نقل لي عن القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السّلام بأنه قال : إن كانت القصة واحدة ، وتلك مكررة لهذه فعبر عنها :
بـ (قِيلَ لَهُمْ) ، عن (قُلْنَا) التي في هذه وأخبر بما بعد الدخول ، وهو السكنى لالتزامها إياه ، وإن كانت قصتين قبلك بعد هذه ، وأجاب أبو جعفر الزبير : بأنهم أمروا أولا بالوسيلة ، وهو الدخول ثم أمروا بالقصد وهو السكنى ، قال أبو جعفر : وعطف هنا بالفاء ؛ لأن الأكل من الموضع لا يكون إلا بعد الدخول عليه ، وعطف في الأعراف بالواو ؛ لأن السكنى قد تقارب الأكل ، وقد يتأخر عنه ، وقد يتقدم ابن عبد السّلام أو هما قصتان ، ويقال : لما فهم التعقيب من الأولى لم يحتج إلى إعادته في الثانية ، وقال : هنا (حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) وفي الأعراف اسقط (رَغَداً ؛) لأن السكنى يلزم منها الملازمة والدوام وعطفها على الأمر بالأكل من حيث شاءوا شعر بدوام الأكل من غير صانع فيحصل فيه معنى أيريد فأغنى عن ذكره هنا ، وقال : هنا (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) ، وفي الأعراف على قراءة الجماعة غير أبي عمرو ابن عامر : (نغفر لكم خطياتكم) ، مجموعة جمع سلامة ؛ لأن آية البقرة تبين عن كثرة أعداد النعم فناسب جمع الكثرة ، وآية الأعراف لم تبالغ فيها بكثرة تعداد النعم فناسب جمع القلة ، وهو جمع السلامة ، قلت : ونقل عن القاضي ابن عبد السّلام عن آية البقرة بأنها صدرت بإذ ، قلنا : المكني به عن الله تعالى فناسب جمع الكثرة ، ولما ذكر هناك ، (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) [سورة الأعراف : ١٦١] ، فحذف الفاعل ناسب جمع القلة ، وقال : هنا (وَسَنَزِيدُ) بالواو وفي الأعراف بغير واو ؛ لأن البقرة بولغ فيها بتعداد النعم ما لم يبالغ في الأعراف ، أو ليجزي المحسنين على ما تقدم من تعداد النعم بالعفو ، وزيادة الإحسان.
قوله تعالى : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا).
ابن عرفة : يكون القول بداية مصروفا لنقيض الشيء فينصرف إلى ذلك الشيء باعتبار حال المخاطب ، وعبر بالذين ظلموا ، أو لم يقل : فبدل الظالمون ؛ لأن تعليق الذم على الوصف الأعم يستلزم الذم على الأخص من باب أحرى ، وكذلك ذمهم على تبديل القول يستلزم ذمهم على تبديل الكلام من باب أحرى ، وتبديل القول يستلزم تبديل الكلام ؛ لأنه إذا بدل أحد أفراد المركب انتفى عنه التركيب ، فإن قلت : هؤلاء إنما بدلوا غير القول الذي قيل لهم ، ولم يبدل غير ما قيل له لم يذم ، وإنما يذم من