قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) قالوا : معناه يعلمون ابن عرفة : وكان ظهر في أن الظن علي بأنه مظروف إن مضمر وفي أن من الملاقات أنهم يستحضرونه ويظنونه في كل زمن واقعا بهم ، وقد ذكر القشيري ، وأبو طالب ، أن أبا بكر وعمر جلسا ذات يوم مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو بكر : إني إذا أصبحت ما أدري هل أمسي أم لا ، وقال عمر : إذا أمسيت لا أدري هل أصبح أم لا ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : وأنا إذا صعدت النفس لا أدري هل أرجع أم لا" قيل لابن عرفة : هذا لا يتم لك في : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) ؛ لأنهم يعتقدون علما لا ظنا فقال : يكون مثل : علفتها تبنا وماء باردا ، أي : ويعلمون أنهم إليه راجعون ، ابن عرفة : فإن قلت : ما في الآية التصديق قبل التصوير ؛ لأنه حكم على الخاشعين فإن الصلاة ليست كبيرة ، قبل أن يبين حقيقته وما أراد بهم ، قلنا : إنا جعلنا الذين يظنون نعتا للخاشعين فلا سؤال ؛ لأنه من تمامه أتى كأنه شيء [٤/٢٢] واحد وإن جعلناه مقطوعا للرفع أو النصب فالسؤال وارد ، قلت : وتقدم لنا غير مرة أن التصور باعتبار حقيقة الماهية والإحاطة بها لا يشترط تقديمه على التصديق.
قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) الذكر باللسان والقلب ، واختلفوا في الذكر باللسان فقط هل هو معتبر أم لا؟ ، ووجه مناسبتها لما قبلها أن الله تعالى لما كلفهم بالصلاة وأعلمهم بمشقتها ، وكان ذلك سببا في قنوطهم وإياسهم ، وقله طمعهم في الوفاء بها والخروج من عهدتها عقب ذلك ببيان ذلك أن الله تعالى من عليهم بنعم في الماضي فليتذكروها لتذهب عنهم الأمور العادية ، ويكون على نصيره من الطمع فالرجاء في فضل الله تعالى وإنعامه عليهم في المستقبل بالإعانة على تحصيل تلك العبادة من غير مشقة ولا حجة ، قال : وإنما نسبهم إلى يعقوب ، وإن كان لهم أجداد غيره أنبياء ؛ لأنه أقرب جد لهم ؛ لأن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا محمد وعليهم الصلاة والسّلام ، قال : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) [سورة هود : ٦٩] ، ثم قال : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) [سورة هود : ٧١] ، فإن قلت : ما الفائدة في قوله : (الَّتِي أَنْعَمْتُ) ، ولو أسقطت فقيل : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) لما اختل المعنى ، قلت : إنه أفاد اختصاص تلك النعمة بهم وأنهم مقصودون بها أي اذكروا نعمتي التي جعلتها خاصة بكم ؛ لأنه أنعم عليهم نعما كثيرة ، وذكرهم بما أخصهم به منها دون ما شاركهم