٦ ـ ومنهم من ذهب الى ان هذه الحروف ذكرت للتحدي وبيان اعجاز القرآن وان الخلق عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن مع انه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها (٧).
وفى هذا دلالة على انه ليس من صنع بشر ، بل تنزيل من حكيم حميد. وقد لاحظ اصحاب هذا الرأي ان فواتح السور مكونة فى جملتها من اربعة عشر حرفا هي نصف حروف الهجاء ، كما انها حوت فوق ذلك من كل جنس من الحروف نصفه فقد حوت نصف الحروف المهموسة (٨) ، ونصف المجهورة (٩) ، ونصف الشديدة (١٠) ، ونصف الرخوة (١١) ، ونصف المطبقة (١٢) ، ونصف المنفتحة (١٣).
«وقال القاضي ابو بكر : انما جاءت على نصف حروف المعجم ، كأنه قيل :
من زعم ان القرآن ليس بآية فليأخذ الشطر الباقي ، ويركب عليه لفظا معارضة للقرآن. وقد علم ذلك بعض ارباب الحقائق» (١٤).
والرأي الأخير قد انتصر له الزمخشري (ت ٥٣٨ ، ه) فى كشافه أتم انتصار ، ومال اليه ابن كثير (ت ٧٧٤ ه) فى مقدمة تفسيره (١٥) وضعف ما عداه ، ونقل ابن كثير عن بعضهم انه لخص فى هذا المقام كلاما فقال : (لا شك ان هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ، ومن قال من الجهلة ان فى القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطا كبيرا ، فتعين ان لها معنى فى نفس الأمر ، فان صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به ، والا وقفنا حيث وقفنا وقلنا (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا)
__________________
(٧) حكى هذا المذهب الرازي فى تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا. كما ذهب اليه الزمخشري وابن تيمية وابى الحجاج المزي. انظر تفسير ابن كثير : ١ / ٣٨. والكشاف للزمخشري ١ / ١٦ ، ١٧ ، ومقدمة تفسير البيضاوي ص ٧ ، وانظر ايضا البرهان : ١ / ١٦٥. ١٦٦ ، والإتقان : ٢ / ١٣.
(٨) الحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك (فحثه شخص سكت) وقد ذكر منها فى فواتح السور : السين ، والحاء ، والكاف ، والصاد ، والهاء.
(٩) والحروف المجهورة ١٨ ونصفها ذكر فى فواتح السور ويجمعها (لن يقطع امر).
(١٠) الحروف الشديدة ٨ وهي (أجدت طبقك) اربعة منها فى الفواتح وهي (اقطك).
(١١) والحروف الرخوة ٢٠ وهي الباقية بعد الشديدة نصفها ١٠ فى هذه الفواتح يجمعها (حمس على نصره).
(١٢) الحروف المطبقة ٤ هي الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، وفى الفواتح نصفها الصاد والطاء.
(١٣) وبقية الحروف وهي ٢٤ تسمى منفتحة نصفها وهو ١٢ فى الفواتح المذكورة. (الكشاف : ١ / ١٣ ـ ١٤) بتصرف. وقال الزمخشري فى الكشاف بعد ذلك : «ثم إذا استقريت الكلام تجد ان الحروف التي ذكرت فى هذه الفواتح اكثر تداولا من التي تركت ، ودليله ان الالف واللام لما كانت اكثر تداولا فى الكلام جاءت فى معظم هذه الفواتح فسبحان الذي دقت فى كل شيء حكمته».
(١٤) البرهان للزركشى : ١ / ١٦٧.
(١٥) وقدم كثيرا من الادلة ثم قال وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب اليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله اعلم.