له سبحانه على الخصوص ، فتولّى بشارته بعزيز خطابه من غير واسطة ، فقال : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ).
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))
قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) : أخبر سبحانه أن الأولياء والأصفياء لا تخلو قلوبهم من قوارع خطرات الامتحانية ، مع شرفهم بالولاية ، واصطفائيتهم بالكرامة ؛ ليعلم الحقّ أن ولايتهم غير مكتسبة بالأعمال ، وهذا تعريفه تعالى مواضع نعمه لهم ، واختياره لهم المنازل الرفيعة في الأزل ، ومعنى الاية أي : حيث تبرأتم من حولكم وقوّتكم ، وافتقرتم إليّ ، وفررتم مني إليّ ، ونصرتكم على عدوّكم بحولي وقوّتي حين شاهدتم عزّة أزليتي ، وجلال أبديتي ، وحين نظرتم إلى حولكم وقوتكم ، واحتجبتم بها عن مشاهدة قدرتي تركتكم مع أنفسكم.
قال جعفر : استجلاب النصر في شيء واحد ، وهو الذلّ والافتقار والعجز ، لقوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) : لم تقوموا فيها بأنفسكم ، ولم تشهدوا قوّتكم وكثرتكم ، وعلمتم أن النصر لا يوجد بالقوة ، وأن الله هو الناصر المعين ، ومتى علم العبد حقيقة ضعفه نصره الله ، وحلول الخذلان بشيء واحد ، وهو العجب.
قال الله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) ، فلما عاينوا القدر من أنفسهم دون الله ، رماهم الله بالهزيمة ، وضيّق الأرض عليهم.