آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))
قوله : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) : أنّ الله سبحانه وصف المهاجرين في الاية المتقدّمة ، بخروجهم مما دون الله لوجدان رضوانه ، وبشارته بلقائه وغفرانه ، وهو تعالى لمّا وجدهم أسارى سلب مشاهدته ، ومقيّدين بأسر محبّته ، ولم ير في قلوبهم من العرش إلى الثرى غير أنوار الإيقان والعرفان ، بشّرهم بنفسه بلا واسطة ، وإذا كان المبشّر واسطة بين الأحباب والحبيب ، فهو عظيم كما قيل :
لو لا تمتّع مقلتي بلقائه |
|
لوهبتها لمبشّري بإيابه |
لا سيما والحبيب هو مبشّرهم بنفسه ، وبشارته خطاب مع كشف المشاهدة ، ومن يطيق أن يسمع بشارته بوصاله مع كشف جماله أن يبقى عند حسن شهوده ، ولذّة خطابه ، وهذا كما أنشد :
تراءيت لي بالغيب حتّى كأنّما |
|
تبشرني بالغيب أنّك بالكفّ |
أراك وبي من هيبتي لك وحشة |
|
فتؤنسني باللطف منك |
وتحيي محيا أنت في الحبّ حتفه |
|
وإذ أعجب كون الحياة مع الحتف |
بشّرهم برحمته ، ورحمته كشفت جماله بلا حجاب ، وهو أول درجة العارفين ، ثم بشّرهم بالرضوان ، وهو الوصال بنعت المؤانسة بلا كدورة الهجران ، ثم بشرهم بدخولهم في جنات قربات الصفات والذات ، بنعت تحصيل علوم الأزال والاباد من رؤيتها ، والبقاء في نعيمها بنعت الدواء ، وأي نعيم ، وأي جنّة أشرف من تجلّي جلاله ، وجماله لعرفانه.
بشّر المؤمنين بالرحمة ، وبشر المطيعين بالجنّة ، وبشر العارفين بالرضوان والوصلة ، وأيضا بشر التائبين بالرحمة ، وبشر الصادقين بالمشاهدة ، وبشر المحبّين بالمجاورة.
قال أبو عثمان : هو الذي يستجلب رضوانه ، ورضوانه يوجب مجاورته ، ومجاورته توجب النعيم الدائم.
قال الله : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ). ويقال : إن القلوب مجبولة على حب من يبشّر بالخير ، فأراد الحق سبحانه أن تكون محبّة العبد