عذاب ولا حساب ، وأكشف عن وجهي قناع الجبروت ، وأريكم جمالي وجلالي ، وذلك قوله سبحانه : (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
قال النصر آبادي : البشرى في هذا البيع ، أنه يوفي بما وعد ، بأن لهم الجنّة ، ويزيد لمن يشاء فضلا منه وكرما بالرؤية والمشاهدة.
ثمّ وصف أهل ذلك البيع والشراء ، بأوصاف المقامات مفصّلا ومقسّما ، بعد أن جعل جميع الأوصاف في اسم العلم الذي هو المؤمن ، وذلك الاسم اسم جامع لمعان كثيرة ، وهي ما وصفهم الله بهذا في قوله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) بيّن تسعة مقامات ، وذكر في أوّلها ذكر الإيمان ، حيث قال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لأن الإيمان أصل جميع المعاملات والحالات والدرجات والمنازلات ، وهو أصل جميع الخيرات في الدنيا والاخرة ، وهو تعريف الله نفسه لعبده بعد أن جعله عاقلا مستعدّا لمعرفته ، فاهما لخطابه.
ومن الإيمان تتشعب هذه الخصال ، وهذه المقامات ، فصارت قسمة المقامات عشرة مع الإيمان ، والإيمان أوّله.
والمؤمن ممتحن ببلايا المعرفة من الله ، فيذوق مرارة الفرقة بعد ذوق الوصلة ، فيقع بتوفيق الله السابق في الأزل ، فيوقظه من نوم الغفلة ، وينبّهه من قدرة الفرقة حتى يتنبه ويفتح عين قلبه ، فيعرف ما أفسدت النفس والشيطان في مصارع قلبه بذئاب الشهوات ، وسباع الشبهات ، ويرى خيول الهوى في محلّ الروح الناطقة ، فيهيّج سرّه نور الإيمان إلى إخراجها من منظر نظر الله ، فيقدّس أسراره من النظر إلى الأغيار ، ويخرج نفسه من منازل الاغترار ، ويندم على ما فاته من أوقات الطاعات ، ويرجع بالحياء والخجل إلى أبواب المداناة ، ويستأنف عمل الإرادات ، حتى تستحق له مرتبة التوبة ، فيتوب الله عليه بعطف وصاله وكشف جماله.
فالتائبون : قوم رجعوا من غير الله إلى الله ، واستقاموا بالله مع الله ، ولا يرجعون من الله إلى غير الله أبدا.
ثم يوجب هذه الأوصاف للتائب الصادق ، العبادات والمجاهدات والرياضات ، حتى يذوق طعم العبودية ، وذلك بعد الحريّة عمّا سوى الله ، حتى يكون عبدا لله لا لغير الله ، ويرى مشاهدة الله في عبادة الله بعين الإحسان ونور العرفان ، كما قال سيد فرسان العالمين في ميادين