المبايعة ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن» (١)
فقال : النفس محلّ الغيب ، والكريم يرغب في شراء ما يزهد فيه غيره ، وما سنح لي بعد قولهم ، وما ذكرت في مقدم قولهم : أنه تعالى ألبس النفوس حين أوجدها لباس قهر الربوبيّة ، فأسخطت من مباشرته وصف الكبرياء ، فلما اتّصف بقهره تعالى نازعته ، فعلم الحقّ تعالى لو تركها مع المؤمنين أغوتهم ، كما أغوت فرعون ، بقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] ، وكما قال إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) [الأعراف : ١٢] ، فهلكها بقهره ؛ حتى لا يبقى في المؤمن غير العبودية.
ثمّ أن الله سبحانه فرّح فؤاد العارفين بوفائه معهم ، وخطابه بأخباره عن صدقه بوفائه ؛ ليكونوا في بذل وجودهم وقتل نفوسهم ، والجهاد مع عدوّهم على حسن الظنّ في الله ، وحسن الرضا إلى وعد الله وفائه لعهده ، بقوله :
(وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) أي : كلّ حادث ناقص في أمر المستقبل والقديم ، منزّه عن نقائص الحدثان ، فيفعل بموجب الأخبار على موافقة الحكم ، ويعطي للعبد ما وعد به وأكثر ، إظهارا لربوبيّته ، ومنّا على عباده.
قال الحسين : عهد الحقّ في الأزل إلى خواصه باختصاص خاصية خصّهم من بين تكوينه ، فأظهر آثار أنوار ذلك عليهم عند استخراج الذرّ ، فرأى آدم عليهالسلام الأنوار تتلألأ ، فقال : من هؤلاء؟ ، ثم أظهر سمات ذلك حين أوجدهم ، وهى أثار ذلك العهد الذي عهد إليهم فوفّى لهم بعهودهم (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ).
ثمّ إنّ الله سبحانه بشّر المؤمنين باشترائه نفوسهم منهم ، وبما يجازيهم بها من لطفه وكرمه وفضله ومشاهدته ، بقوله :
(فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) ، وأضاف اشتراء النفوس إلى نفسه ، اشتراها في الأزل ، وأضاف بيعها إلى المؤمنين ، وأين المؤمنون في الأزل؟
وأقام نفسه مقام المؤمنين ؛ لإشارة مقام الاتّصاف والاتّحاد ، كما أشار إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، بقوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ١٧] ، والاية من قبيل عين الجمع بشّرهم نبيّهم ، والغرض من ذلك المشتري أي : بشّروا بمتابعتكم معي حيث اصطفيتكم بخطابي وشرائي ، الذي ينبّئكم عن كريم لطفي بكم ، بأنّي أعطيكم ما وعدتكم بلا
__________________
(١) تقدم تخريجه.