الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤))
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) تقتضي همّة المعرفة أنه أغار على نفسه في الأزل بعد أن وصف نفسه بمحبّتهم ، فمنّهم عن نفسه ، وشغلهم بغيره مكرا بهم واستدراجا ، اشترى نفسه منهم ؛ لأنّه بذاته نفس الكلّ ، حيث قام الوجود بنفسه ، ولو لا قيامه على شيء تلاشت الأشياء ، ما قلّ من لمحة عرض نفسه الحدثان ، ولم يرها أهلا لنفسه ، فاشترى نفسه من نفسه ؛ لعلمه بضعف الخلق عن حمل وارد تجلّي عظمة نفسه ، وكيف يقوم الحدث جلال القدم ، وهو تعالى قيمة نفسه لا غير ، اشترى شفقة عليهم ؛ كيلا يتلاشوا في سبحات عزّته ، ثمّ اشترى أموالهم ، وهي كشوف نعوته الأزلية ، وتمتّعهم بمشاهدتها ؛ حتى لا يبقى سرّ العدم إلا في القدم.
فلمّا قطعهم عن رؤية سبحات القدم بالحقيقة ، شغلهم بما يليق بهم ، وهي الجنّة ، وأيضا لم ير للنفوس والأموال نفاسة حيث اشتراها بالجنّة ، ولو كان لها موقع لاشتراها بنفسه لا بشيء محدث ، وأيضا اشترى النفوس ؛ لأنها حجاب القلب من الربّ ، وكذلك المال ؛ حتى لم يبق بينه وبين الربّ حجاب ، وأيضا اشترى منهم النفوس التي تحت سلطانهم بالمجاهدات ، وما اشترى قلوبهم ؛ لأن قلوبهم لم تدخل تحت أملاكهم ، فإنه مستغرق في رؤية الصفات.
وقال ابن عطاء : نفسك موضع كلّ شهوة وبليّة ، ومالك محلّ كلّ إثم ومعصية ، فأراد أن يزيل ملكك عمّا نصرك ، ويعوّضك عليه ما ينفعك عاجلا أو آجلا.
قال سهل : لا نفس للمؤمن ؛ لأنها دخلت في البيع مع الله ، فمن لم يبع من الله حياته الفانية ، كيف يعيش مع الله ، ويحيى حياة طيبة.
قال الله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ).
قال جعفر : مكر بهم على لسان الحقيقة ولسان المعاملة ، واشترى منهم الأجساد لمواضع وقوع المحبّة في قلوبهم ، فأحياهم بالوصلة.
وقال الحسين : نفوس المؤمنين نفوس أبيّة اشتراها الحقّ ، فلا يملكها سواه.
وقال النصر آبادي : سئل الجنيد : متى اشترى؟ قال : حين لا متى أزال عنهم العلل ، بزوال ملكهم عن أنفسهم وأموالهم ؛ ليصلحوا لمجاورة الحقّ ومخاطبته.
وقال النصر آبادي : اشترى منك ما هو صفتك ، والقلب تحت صفته لم يقع عليه