وطهارة الأبدان من الزلّات ، ومن أحبّه الله في الأزل ، يطهّره في الدنيا مما يشغله عن الله طرفة عين ، فإن المحبّ لا يترك حبيبه في شيء يضرّ به.
قال سهل : الطهارة على ثلاثة أوجه : طهارة العلم من الجهل ، وطهارة الذكر من النسيان ، وطهارة الطاعة من المعصية.
وقال بعضهم : (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) أي : يطهّروا أسرارهم عن دنس الأكوان ، ثمّ وصف سبحانه لهؤلاء الرجال ، وتأسيسهم بناء الطاعات على موافقة الله ورسوله ، وطلب رضوانه ، بقوله : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ) : لله بنيان ، وهو قلوب الصدّيقين ، وفيها مناظر القدس ، ومحافل الأنس ، تحفوها أنوار تجلّي الحقّ سبحانه ، فمن أسّس بنيان قلبه بعد تطهيره عن دنس الأخلاق ، وتنويره بنور الخلّاق ؛ لذكر جلاله ، وتعظيم عظمته ، وحبّ لقائه ، وشوقه إلى جماله ، ومعرفته وتوحيده ، وإفراد قدمه عن الحوادث بنعت فنائه في احتشام الله ، وخوفه وإجلاله ، وخشيته من كبريائه ، ومراقبته خطابه وأسراره ، وطلب رضوانه ووصاله ، يصل بهذه الأوصاف إلى أن يكون قلبه موضع أسرار الله ، ولطائف رضوان الله ، وظرف محبّة الله ، ومحلّ زيارة الله ، كما حكي للنبي صلىاللهعليهوسلم عن الله سبحانه ، بأنّ له تعالى ظروف أسراره في الأرض ، قال : «إن لله أواني ألا وهي القلوب» (١).
قال أبو تراب النخشبي : من كان إبقاء إرادته على الصحة والسلامة من هواجس نفسه إلى الرضوان الأكبر ، والمقام الأرفع.
قال الله : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ).
قال الواسطي : (عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ) : لا من نفسه يكون الله أصل تلك التقوى.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي (٣ / ١٨٨).